شيء غريب وعجيب أن تجد نفسك مضطرا للاحتماء بالصبر وطول البال وعدم المخاطرة بالدخول فى جدل مع أحد بعد أن أصبح كل مواطن فى زمن العولمة الفضائى ضميرا وحجة فى كافة الشئون السياسية والاقتصادية والدينية والرياضية بل إن بعضهم يجاهر فى جلسات المقاهى والأندية بأنه يستعد لتأليف موسوعة من الكتب عن الشئون العامة التى تهم الناس من واقع تجربته فى الحياة واطلاعه الواسع على الأحداث من خلال صفحات التواصل الاجتماعى التى جعلته يشعر فى قرارة نفسه أنه أصبح مرجعا يمكن الاستشهاد بآرائه عند كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه. هذا الذى أقوله ليس نوعا من المزاح ولكنه واقع نعيشه بكل أسف فى زمن ما بعد عواصف الفوضى التى أفرزتها السنوات العجاف وسمحت للأقزام بأن يقفوا فى الصفوف الأولى ويتصدروا المشهد العام ليس فقط فى جلسات النميمة المنتشرة حول مناضد الكافيهات والمقاهى وحدائق وقاعات الأندية وإنما أيضا كضيوف ومتحدثين على بعض الشاشات! ولنفرض أننى – لمجرد افتقاد القدرة على الصمت تجاه ما تسمعه أذناى من أكاذيب وشائعات – قررت أن أمارس حقى فى التصحيح وتصويب ما يدور حولى أجد – للأسف الشديد – أن هناك من يقابل ما أقوله بابتسامة صفراء مضمونها أن كلامى ليس سوى دفاعا عن الدولة وعن النظام للمداراة على الأخطاء وعدم امتلاك الشجاعة على نقد الحكومة. وهنا مبعث القلق ومصدر الخطورة لأن بعض من يعبثون فى عقول الناس بالباطل يلعبون باستمرار على وتر المفهوم الخاطئ للوطنية التى يحتكرون وحدهم حق ارتداء عباءتها طالما أنهم يتخندقون وراء سواتر الرفض والمعارضة الناعمة وادعاء الحكمة بأثر رجعى تجاه كل القضية وإزاء مختلف الملفات. ولعل ذلك ما يدفعنى إلى دق أجراس الخطر والتنبيه ودعوة الأحزاب السياسية والمؤسسات المجتمعية إلى النزول فى الشارع ومخاطبة الناس لبناء مفهوم جديد للوطنية التى يراد اختصارها فى كلمة «لا» فقط بينما مصر فى حاجة إلى مفهوم جديد للوطنية لاستثارة النفوس بالآمال الممكنة وتذكير الناس بماضيهم دون تحامل ودون تزييف حتى يمكن ربط الماضى بالحاضر كمرتكز لبناء المستقبل المنشود بإرادة وقوة العمل التى تسترخص دفع الأثمان المستحقة من التضحيات لبناء مستقبل هذا الوطن والقدرة على امتلاك هذا المستقبل! إن المسألة أكبر من أن ينظر إليها على أساس أن الفضائيات عابرة البحار والمحيطات ووسائل التواصل الاجتماعى بأذرعها المتعددة تشكل خطرا على القيم والسلوكيات الاجتماعية فقط لأن الخطر الأكبر يتمثل فى المخطط الأخطر لاختراق العقول ومسح الذاكرة وتسهيل مهام السيطرة الكاملة على الشعوب النائمة دون حاجة إلى استخدام الجيوش والزحف بالجنود للسيطرة والاحتلال! خير الكلام: النميمة تفسد المودة وتجدد العداوة وتبدد روح الجماعة! span style="box-sizing: border-box; font-weight: bolder; color: rgb(139, 143, 154); font-family: "GE SS Two Light"; text-align: justify;"* نقلًا عن صحيفة الأهرام