د. محمد حسين أبوالحسن هاتفنى السفير أحمد أبوالغيط أمين عام جامعة الدول العربية الحالي، فى عتاب مستتر على انتقادى تقصير السياسة الخارجية، فى عهد مبارك، تجاه أهم ملف على الإطلاق، أى مياه النيل ، فى سلسلة مقالات بالأهرام، تناولت فيها قضية سد النهضة ، تحدث أبوالغيط، على مدى نصف ساعة، مدافعا ومبينا دور الخارجية، منذ تولى حقيبتها فى يوليو 2004، حتى مارس 2011، وبقى فى جعبته المزيد من الدفوع والأسرار، فاتفقنا على اللقاء، على هامش إطلاق النسخة الإنجليزية لمذكراته «شهادتي» بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، حيث تحدث باستفاضة عن قضايا حساسة شغلت السياسة الخارجية، فى تلك الفترة، ودهاليز ال45 يوما الأخيرة من حكم مبارك. أخذت أقلب صفحات «شهادتى»، تكشف لى كم واجه أبوالغيط من رياح داخلية وإّقليمية ودولية لم تكن مواتية لسفينة الخارجية فى خواتيم عصر مبارك ، دافع خلالها عن مصالح البلاد، بكل ما أوتي، لكن مصر دفعت ثمنا فادحا لانزواء مبارك عن إفريقيا، منذ محاولة اغتياله بإثيوبيا عام 1995. يميل أبوالغيط إلى الموضوعية يرى عبدالناصر قويا مقداما، لكنه ارتكب أخطاء، و السادات رجل دولة داهية لكنه مقامر مجازف، أما مبارك فكان يجنح للسلم والرتابة، ورغم ذلك هو مدافع عنيد عن حقوق الوطن ، على حد وصفه. يؤكد أبوالغيط أن تقدم مبارك فى السن وموت حفيده والتوريث، حدت من انشغاله بقضايا السياسة الخارجية. مع غياب الحزم وفقدان الرؤية الفلسفية الحاكمة للحركة. وفى رأيى أن مشكلة مبارك كانت داخلية؛ التنمية المتوقفة والاقتصاد المعطّل، وكان ذلك كعب أخيل لمصالح الوطن وتضييع فرصة النهوض به، كان مبارك رجلا بلا حلم، لدرجة الجمود على الموجود. انتقد أبوالغيط (ابن الطيار الذى صار وزيرا للخارجية)، وقوف بعض حكام مصر منذ محمد على حتى مبارك، فى المعسكر الخطأ، لعدم دراستهم الكافية للأوضاع الدّوليّة، مستغربا غفلتهم عن النظريات الإستراتيجية والجيوبوليتكية عند ماهان وماكيندر، لصنع تحالفات سليمة مع القوى الكبري. يمتلك أبوالغيط أسلوبا رشيقا فى الكتابة وعمقا وإحاطة موسوعية بالقضايا التى يتناولها، بما يضفى قيمة على كتابه، بما يحويه من أسرار وتفسيرات ورؤي، يطرح باعتزاز، على امتداد 13 فصلا، الدور المصرى فى أثناء توليه الوزارة، بينما تنسرب من بين حروفه نزعة ضيق، مما يعتبره جحودًا أوعدم فهم، لما بذله من جهود، يكتب بأنفاس لاهثة؛ محاولًا تجلية المَخفي، وكسر دوّامة التّشويه. يستعرض مساعى القاهرة فى حل القضية الفلسطينية، والوقوف بقوة مع الفلسطينيين، ويتحدث عن طبيعة العلاقات المصرية - الأمريكية التى كانت محكومة باتفاقية السلام مع إسرائيل، ويقول إنه فى أول زيارة له لواشنطن وزيرا للخارجية، اجتمع مع رجال الإدارة والكونجرس، ثم نقل إلى مبارك اهتمامًا أمريكيًا بمشاركة القاهرة فى حروب أفغانستان والعراق، وتلويحهم بملف (حقوق الإنسان)، فقال له مبارك: لا أستبعد أن يكون لديهم رغبة بإقصائى عن الحكم، وأخذ يردد: المتغطى بالأمريكان عريان. كانت الزيارة الخارجية الأولى للوزير أبوالغيط إلى القذافي، وفور عودته، أبلغ مبارك ما رآه من تصرفات القذافى الغريبة، فأجابه: هو انت لسه شفت حاجة. وأتت الزيارة الثانية إلى السودان، عمق مصر الإستراتيجي، يقول: إن مصر بذلت جهودًا لمنع انفصال الجنوب، ومساعدة الأشقاء على تجاوز المحن، وينحى باللائمة على نظام البشير الإخواني فى تدهور الأوضاع. يتحدث أبوالغيط بفخر عن معركة مصر للحفاظ على (فرصتها) فى مقعد دائم بمجلس الأمن- عندما يتم توسيعه - والتربيطات الإقليمية والدولية التى كادت تذهب بحقها، مع أنها قائدة مسيرة التحرر الإفريقي، حتى إنه صرخ فى وجه وزير الخارجية النيجيري، ليفشل المخطط.. ومن المواقف المشهودة رفض القاهرة التصديق على معاهدة حظر التجارب النووية، مادامت إسرائيل لم تنضم إليها، رغم الضغوط الأمريكية، ويتناول العلاقات المصرية مع دول الخليج، مبينًا أن علاقات مبارك مع حكامه كانت مميزة، يحترمهم ويحترمونه، ويقول إن خطر التمدد التركى والإيرانى جعل هذه الدول أكثر رغبة فى توسيع مفهوم ومظلة الأمن القومي. ويتعرض لتفاصيل العلاقات مع الاتحاد الأوروبى وروسيا والصين، والسعى للانفتاح على إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان والبرازيل، ويبدى إعجابا بأدوار أسامة الباز وعمر سليمان. كتاب أبو الغيط وثيقة مهمة وشهادة على العصر، ولأنه مولع بنظرية التحدى والاستجابة لفيلسوف التاريخ أرنولد توينبي، يؤمن بقدرة مصر على الاستجابة للتحديات القاسية، مثلما تجاوزت هزيمة 67 بالتخطيط الإستراتيجى والجهود المضنية لبلوغ النصر، فى أكتوبر 73. [email protected] * نقلًا عن صحيفة الأهرام