د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات صحيح ما يقوله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن العلاقة بين حرية التعبير والإبداع ، هذه الحرية ضرورية لتحرير العقل من كوابح تعوق انطلاقه فيُنتج فكرًا وعلمًا وأدبًا وفنًا. وصحيح أيضًا أن الرسوم الكاريكاتورية نوع من الإبداع الذى يُونع فى ظل حرية التعبير، لكن الحملة التي يتبناها ماكرون للدفاع عن إعادة نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة إلى النبي محمد "عليه الصلاة والسلام" تثير السؤال التقليدي عن تنظيم الحريات العامة والخاصة بما لا يقيدها، ويضمن فى الوقت نفسه ألاَّ تلحق ممارستها أذى بالآخرين. ويقوم هذا التنظيم على مبدأ أن المساحة التى أُمارس فيها حريتي تقف عند حدود حرية الآخرين وحقوقهم؛ ولذلك يتدخل المُشرَّع عادةً لتنظيم حرية التعبير، وتجريم مساس أى مواطن بحريات الآخرين وحقوقهم. ويوجد اتفاق عام، مع استثناءات قليلة، على أن احترام مشاعر الإنسان الدينية جزء من حقوقه التي لا ينبغي المساس بها. وينسى ماكرون، في حملته التي لا تخلو من حسابات انتخابية، أن القانون الفرنسي نفسه يمنع أى نوع من التعبير يؤدى إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية. وليت أحد المسلمين، أو الجمعيات الإسلامية فى فرنسا، رفع دعوى قضائية ضد الرسوم المسيئة لنبي الإسلام فور نشرها قبل الاعتداء الإرهابي على محرريها ومقرها قبل خمس سنوات، أو حتى بُعيده، للمطالبة بمنع إعادة نشرها. ولو كانت النيابة العامة الفرنسية بادرت بذلك تطبيقًا للقانون، لما وقعت جريمة ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي على يدى إرهابى من أصل شيشاني، وتداعياتها المستمرة حتى الآن. ولا ينتبه ماكرون إلى أن حملته هذه تُكرَّس ازدواج المعايير فى فرنسا بشأن حرية التعبير، إذ تُنتهك مشاعر المسلمين الدينية وتدافع الحكومة عن هذا الانتهاك، فى الوقت الذى يتواصل توسيع معنى معاداة السامية التى يُجرَّمها القانون، وتقف السلطات ضدها بحزم، ليشمل تجريم معاداة الصهيونية، أو حتى نقدها، وكذلك ما أُطلق عليه «كراهية إسرائيل» بموجب تشريع أعده البرلمان فى ديسمبر الماضى. فما علاقة حرية التعبير بانتهاك مشاعر دينية فى جانب، وتحصين ممارسات سياسية خارقة للقانون الدولى فى الجانب الثانى؟ * نقلًا عن صحيفة الأهرام