أغرب من فتنة برامج الليل الرياضية السكوت عنها؛ مما يعطيها شرعية وخلق نجوم وأساطير فاسدة، ف الإعلام الرياضي لا يقل أهمية عن باقي أنواع الإعلام في مجالات الاقتصاد والسياسة، بل هو أهم، وهذا نظرًا لمكانة الرياضة وشعبيتها الطاغية. حيث بات من المألوف تحول بعض وسائل الإعلام الرياضي - ومعها قطاع من الممارسات الإعلامية في وسائل إعلام غير متخصصة - إلى مصانع للفتنة والتعصب والكراهية والتحريض على العنف والتمييز وتشويه الحقائق واختلاق الوقائع، والطعن في الأعراض؛ لاسيما أنهم يتعمدون استضافة شخصيات بعينها لإثارة حالة من الجدل؛ للحصول على نسبة مشاهدة عالية. وهو ما أوجد حالات غير مسبوقة من العنف اللفظي؛ ليس فقط بين الجماهير على ساحات « السوشيال ميديا »، بل امتد الأمر إلى اللاعبين أيضًا، فضررهم بات أكثر من نفعهم لتأثيرهم الذي يخلق دوافع سلبية لدى الجماهير ويدفعهم لمزيد من التعصب، حتى بدأنا نسمع ونرى حوادث وأفعالًا تحدث لأول مرة فى المدرجات وداخل الملاعب وخارجها. وتلك الممارسات تحدث باطراد، ومن دون أى مراجعة في كثير من الأحيان، وكذا السماح للنوادي بإنشاء قنوات تتحدث باسمها؛ إذ يجب أن يقترن ذلك باحترام المنافسين، والتزام قواعد مهنية نزيهة ومنصفة، والابتعاد عن إثارة التعصب والكراهية ، بما يعزز الإعلام الرياضي ويخدم المجال الرياضى. حينما تقوم المؤسسات بأدوارها تقل فرص تحويل الإعلام إلى محاكم وبرلمانات وسلطات سياسية وحفلات سب وقذف برامج النميمة والردح والفتن والضرب تحت الحزام. هناك برنامج - على سبيل المثال - تقدمه مذيعة ذات شعر أصفر ليس لها علاقة بالرياضة، تستضيف لاعب كرة ليشتم فى زميله، وفي اليوم التالي تستضيف المشتوم ليرد الشتيمة!! وهكذا تدور ساقية الكراهية في بركة الجهل والغل والسواد، ويصبح البرنامج "تريند"، وتصبح المذيعة نجمة، وبرنامج آخر يقدمه مذيع كان معدًا يستضيف فيه ضيوفًا ثابتين وضيوفًا متغيرين، وكل موهبته تنحصر فى أن فلان بيقول عليك كذا.. ويتم تسخين الضيف ليهاجم ضيفًا آخر، أو يفتعل شجارًا في مداخلة أو يشتم فريقًا، وبرنامج آخر يطرد فيه مذيع البرنامج مسئولًا رياضيًا بعد خناقة.. إلى آخر هذا الكلام الذي لا يمت للرياضة ولا للإعلام بصلة، إذا كانت الرياضة قد تحولت إلى ردح وشتيمة وتسخين ضيوف على ضيوف وثرثرة مصاطب واستعراض عضلات وتجنيد كتائب ألتراس، فهي الفتنة الأشد من القتل اليومي على الهواء. وهذا الإعلام الذي يختال بنفسه ويتعامل على إنه يدير الكرة المصرية من الأستديوهات فاسد، والإعلام الذي ينافق الجماهير على جثة المهنية والقيم من أجل شعبية زائفة وشهرة مرضية فاسد، والإعلام الذي يسب منتقديه ويغتالهم معنويا فاسد. ومع هذا فإن الإعلام الرياضي لا يحظى بالمساءلة الواجبة قانونيًا ومهنيًا واجتماعيًا، ويعمل به في الغالب لاعبو كرة قدم لم يدرسوا الإعلام، أو لا يحترمون قواعده، وبعضهم يعتقد أن «مكانتهم الجماهيرية» و«تعصبهم لفرقهم» وإدارات أنديتهم دروع تحميهم من المساءلة. والكارثة أن يمارس الإدارة الرياضية على أعلى مستوياتها من يرسخون كل موبقات التعصب ويشعلون النار بين الجماهير ويحرضون على الإيذاء والعنف، الذي وصل إلى القتل؛ كما حدث في مباراة الأهلي والمصري والشحن الذي أدى لأحداث مباراة أم درمان الشهيرة بين مصر والجزائر؛ التى حشد لها الإعلام كل قواه، وخرجت فيما يشبه المعركة الحربية، ونجح في خلق حالة من التوتر بين البلدين الشقيقين، وكشفت تلك المباراة عن أن الإعلام لم يعد مجرد ناقل للحدث، وإنما أصبح مشاركًا في صنعه، وفى أحيان كثيرة يكون صانعًا له، متناسيا دوره فى توجيه الرأى العام ونبذ التعصب الرياضي الذي يسهم بشكل كبير في تفتيت وحدة أبناء الوطن.