طالب خبراء اقتصاديون ومصرفيون الحكومة المصرية برفض أية محاولات لتخفيض قيمة الجنيه المصري، وذلك خلال مباحثاتها مع بعثة صندوق النقد الدولي، التي يتوقع أن تزور القاهرة قبل نهاية شهر سبتمبرالحالي. واعتبر الخبراء تصريحات جيري رايس المتحدث باسم صندوق النقد الدولي أمس الجمعة التي قال فيها إنه من السابق لأوانه بالنسبة له مناقشة تخفيض قيمة الجنيه في إطار برنامج للتعاون مع مصر، "مطاطة" ، مشيرين إلى أن أي تخفيض للعملة المحلية سيؤدي لمشكلات اقتصادية خطيرة لمصر على المدى القصير. وقال الدكتور فؤاد شاكر، الأمين العام لاتحاد المصارف العربية السابق، إن الأوضاع الحالية بمصر غير مناسبة لتخفيض قيمة الجنيه، موضحًاأنه سيؤدي لارتفاع قيمة الواردات المصرية على المستهلك المصري، وتخفيض قيمةالصادرات للخارج. وأوضح أن الواردات المصرية من السلع الأساسية كالقمح والأغذية والزيوت، ولو ارتفعت أسعارها فستضيف أعباءً على المستهلك مما سيدفع المواطنين للمطالبة بمزيد من الأجور، موضحًا أن تخفيض قيمة الصادرات يعتبر ميزة لأنه يفتح أسواقًا للخارج إلا أن الأوضاع الاقتصادية والمالية في مصري غير مناسبة لذلك بسبب توقف عجلة الإنتاج، كما أن انخفاض التصدير بشكل ملحوظ وارتفاع حصيلة الواردات بقيمة 30 مليار دولار خلق ضغوطًا على سوق الصرف المحلي. وأضاف أن التخفيض لن يساعد على زيادة الصادرات في ظل توقف الإنتاج وعجزه حتى عن تغطية الاحتياجات المحلية، مطالبًا بعدم اتخاذ قرار متسرع فيما يتعلق بتخفيض قيمة الجنيه، لأننا نحتاج أولاً السيطرة على تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الإنتاج الداخلي ووقف الفوضى في الشارع، وبعد عامين أو ثلاثة أعوام عندما تتحسن الأوضاع، ويتوفر الإنتاج ممكن أن نخفض قيمة العملة لفتح أسواق جديدة والتصدير للخارج. وتابع: إذا كان الصندوق الذي يضم صفوة الاقتصاديين في العالم يتحدث عن سياسة الإصلاح بمصر، فتخفيض قيمة الجنيه لن تؤدي لذلك، كما أن استنزاف الاحتياطي النقدي لم يكن ناجمًا عن سياسات اقتصادية أو سوء إدارة ولكن عوامل خارجية تتعلق بتغيرات سياسية وغياب الاستقرار. ووافقه الرأي الدكتور حمدي عبد العظيم، رئيس أكاديمةالسادات للعلوم الإدراية سابقًا والخبير الاقتصادي، الذي قال إن قضية سعر الصرف دائمًا من القضايا التي تثار في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لأن الأخير يعتبر تدخل البنك المركزي بسوق الصرف نوعًا من الدعم للجنيه المصري. وأوضح أن الصندق يرى أن قيمة الجنيه لا تعبر عن العلاقة بين الورادات الكبيرة لمصر وصادراتها الضعيفة، لافتًا إلى أنه يتوقع أن ترضخ مصر لطلبات صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بخفض قيمة الجنيه، ومن الممكن أن يلجأالصندوق لضعوط تتعلق بالتهديد برفض زيادة القرض والاكتفاء ب 3.2 مليار دولار، محذرًا من أن أي تخفيض لقيمة العملة المحلية سيؤدي لتزايد التضخم وانفلات الأسعار نظرًا لأن الورادات المصرية من السلع الرئيسية. ووصف يوسف فاروق، خبير صرافة، تصريح المتحدث باسم صندوق النقد الدولي ب"المطاط"، إلا أنه أكد أن الأوضاع لو استقرت في مصر وزادت حصيلتها الدولارية من السياحة في ظل استقرار تحويلات المصريين العاملين بالخارج وموارد قناة السوس فلن توجد مشكلة. وقال فاروق العشري، الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الإدارة العليا بالبنك المركزي الأسبق،إن مصر مُطالبة بتخفيض قيمة الجنيه أو تعويمه خلال مفاوضاتها مع صندوق النقدالدولي منذ عام 1991، ضمن اشتراطات أخرى من بينها خصخة الخدمات والبنوك العامة بمافيها "الأهلي" و"مصر" بجانب تخلص الحكومة من مساهماتها في رؤوس أموال البنوك الأجنبية بالسوق المحلية؟، وهو ما تم جزء منه بالفعل. وأضاف أن الاشتراطات تضمنت أيضًا رفع أسعار الطاقة إلى المستويات العالمية وإلغاء نظام الدعم بالكامل حتى لو أدى ذلك لثورة اجتماعية، لأن ما يهمهم هو المصادر الماليةالذاتية التي يمكن للدولة أن تسدد منها وهل يمكنها ضمان أقساط وأصل الديون أم لا. وأوضح أن أي حكومة في مصر مهما كانت مغامرة لايمكن أن تقبل بجميع شروط الصندوق، في ظل أوضاعنا الاجتماعية وثورة يناير التي لاتزال مستمرة، فالجماهير في الشوارع للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتعاني من الغلاء الفاحش، موضحًا أن تلك الاشتراطات ستؤدي إلى زيادة أسعار الغذاء والطاقة والنقل بنسبة تتراوح بين 50 و100%، فضلاً عن أنها تتضمن خصخة التعليم والصحة. ولفت إلى أن ديون مصر الخارجية التي تقدر ب 35 مليار دولار ليست كبيرة جدًا بالنسبة للناتج المحلي إلا أن الصندوق يريد أن يضمن الأقساط، وعدم حدوث عجز عن السداد، متوقعًا أن تتجاوب الحكومة مع الصندوق ببعض الأمور وخصخصة بعض الأشياء، إلا أنه من المستبعدالقبول بتخفيض قيمة الجنيه والتي ستؤدي لارتفاع سعر الدولار بنسبة قياسية.