يمكن القول إن الزيارة المهمة التي قام بها السياسي الإسباني جوزيف بوريل، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، مسئول السياسة الخارجية والأمنية ب الاتحاد الأوروبي ، إلى القاهرة مؤخرا، تدشن لحقبة جديدة من التعاون والتفاهم بين مصر و الاتحاد الأوروبي . فقد تزامنت الزيارة مع قدوم رئيس جديد لبعثة الاتحاد بالقاهرة لتولي مهام منصبه قريبا، وتواكبت أيضا مع الكشف عن تفاصيل مهمة بشأن ملامح سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية تجاه عدد من القضايا خلال الفترة المقبلة، وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع في ليبيا وشرق البحر المتوسط والانتهاكات التركية المستمرة. كما جاءت الزيارة بعد أيام قليلة من الاجتماع غير الرسمي المهم لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ، والمعروف باسم اجتماع "جيمنيش"، في برلين يومي 27 و28 أغسطس الماضي، في ظل الرئاسة الألمانية للاتحاد، والذي تم خلاله بحث عدد كبير من القضايا الإقليمية الرئيسية التي تهم الدولة ال مصر ية، وأبرزها، فضلا عما سبق ذكره، الوضع في لبنان، والانقلاب العسكري في مالي. قبل زيارة بوريل إلى القاهرة، والتي التقى خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، والفريق أول محمد زكي القائد العام للقوت المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وكذلك وزير الخارجية سامح شكري، وأحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، حملت إلينا التقارير الأوروبية رحيل السلوفاكي إيفان سوركوش الرئيس السابق لبعثة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، بعد انتهاء مهمته في مصر ، وقدوم المرشح لتولي المنصب خلفا له، وهو السياسي النمساوي المتخصص كريستيان بيرجر، صاحب الخبرة الكبيرة في قضايا الشرق الأوسط والتعاون الأورومتوسطي، حيث شغل قبل ذلك منصب رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في تركيا منذ نوفمبر 2016، وعمل مديرا لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجهاز الععمل الخارجي التابع للاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يبشر بتدشين فترة جديدة من التعاون والتنسيق الدبلوماسي بين القاهرةوبروكسل في شتى المجالات. وخلال الزيارة، وتحديدا خلال المحادثات الدبلوماسية التي أجراها سامح شكري مع بوريل، تم تناول جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين، بما فيها القضايا الجدلية والحساسة والخلافية، وتم تبادل وجهات النظر المختلفة بين الجانبين، بصورة توحي أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التقارب والتعاون والتنسيق القائم على الاحترام المشترك بين الجانبين. وأظهرت المحادثات تطابقا واضحا بين الجانبين حول ملفات السلام، وسد النهضة، وليبيا، وأمن المتوسط، وكذلك فيما يتعلق بأوجه التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة أزمة كورونا، بينما كان هناك جدال صحي حول ملف حقوق الإنسان الذي تشوبه كالمعتاد معلومات مغلوطة ومشوهة كثيرة مصدرها المنصات الإعلامية المعادية للدول ال مصر ية. فيما يتعلق بقضية سد النهضة الإثيوبي، أكد المسئول الأوروبي مجددا موقف بروكسل الداعم لاستمرار المفاوضات بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، حيث أعرب عن ترحيب الاتحاد الأوروبي بالموقف ال مصر ي بشأن القضية بشكل عام، واهتمامه بإجراء حوار ومفاوضات مع إثيوبيا، بهدف استخدام الموارد الحيوية ل مصر بطريقة منظمة. وحول قضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية، أقر بوريل بأن مصر تلعب دورا حاسما في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وبخاصة في أعقاب اتفاق إقامة العلاقات الدبلوماسية مؤخرا بين دولة الإمارات وإسرائيل. وفيما يتعلق بالشأن الليبي، والاستفزازات التركية في المنطقة، أكد شكري أن مصر تدعم وقف إطلاق النار في ليبيا وتشكيل مجلس رئاسي جديد والتوزيع العادل للثروة ومتابعة مجلس النواب لعمل الحكومة، مع أهمية العمل على التخلص من الإرهاب والمرتزقة على الأراضي الليبية، وإنهاء كافة أشكال التدخلات العسكرية الأجنبية، بينما قال بوريل من جهته إن تفويض الأممالمتحدة لمراقبة حظر الأسلحة يراقب الأمر بحرا وجوا، مؤكدًا أهمية العمل على وقف تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، وهو ما حقق "بعض" النجاح بحسب تعبيره، حيث اعترف: "نحاول أن نراقب حظر الأسلحة قدر المستطاع، وندرك أن تدفق السلاح متواصل، وسيشكل صعوبة في مجال وقف القتال". وهنا تجدر الإشارة إلى أن وزراء الخارجية الأوروبيين كانوا قد أبدوا موقفا "مائعا" خلال اجتماع "جيمنيش" تجاه ما يتعلق بالعلاقة مع تركيا، في ضوء الانتهاكات والاستفزازات التركية المستمرة في ليبيا وشرق المتوسط، وأيضا في سوريا والعراق، فعلى الرغم من أن دول الاتحاد أكدت تضامنها الكامل والقوي ضد أي اعتداء يتعرض له أي من أعضائها، في إشارة إلى قبرص واليونان، فإنها توافقت أيضا على بذل الجهود الرامية لتجنب التصعيد والتوترات، مع السماح للحوار والمفاوضات بحل القضايا الخلافية، مع التأكيد على أهمية العلاقة بين أوروبا وتركيا، بدليل الاتفاق على عقد اجتماع خاص أواخر هذا الشهر لإعادة تعريف العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا! وحول جهود مكافحة كورونا، قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية إنه ينبغي التطرق لحزمة الدعم الطارئ للتعامل مع تداعيات هذه الجائحة، مشيرًا إلى أنه مرض يضرب الجميع ويؤثر في جميع الدول. وفيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، المثير للجدل دائما، أكد شكرى بكل حزم أن الشعب ال مصر ى وحده هو الذى يقدر ويقيم مدى تمتعه بحقوقه السياسية والاقتصادية ومجالات حقوق الإنسان، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن تلك الزيارات واللقاءات مع مسئولي الاتحاد الأوروبي تعد فرصة للتبادل الكامل لوجهات النظر حول جميع الموضوعات من الناحية النظرية، ومن ناحية التعريف، وحقيقة الأمور والمجريات، في إطار سياسة الدولة. وأعاد شكري في هذا الصدد ما أكده الرئيس السيسي، في أكثر من مناسبة من أنه يتعين على دول الاتحاد الأوروبي أن تنظر إلى حقوق الإنسان فى إطارها الشامل، ومنها الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومدى اهتمام الدولة ال مصر ية بتلك الحقوق، مشيرا إلى أن المواطن ال مصر ى في نهاية الأمر هو صاحب الحق الأوحد فى تقييم مدى تمتعه بأى حقوق، وليس أى طرف آخر. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن شكري أكد خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع بينه وبين بوريل أنه عبر للمسئول الأوروبي عن بعض المشاغل لدى الشعب ال مصر ى بشأن ممارسات حقوق الإنسان في دول الاتحاد الأوروبي والسياسات التي تنتهك، لافتًا إلى أنه ليس هناك دولة تستطيع أن تدعى أنها وصلت إلى الكمال فى حماية ورعاية مبادئ حقوق الإنسان، ولكن يجب السعى لتلك الغاية النبيلة. وكان بوريل قد ذكر أنه على الرغم من أن ملف حقوق الإنسان شائك، فإنه ينبغى أن نتطرق اليه ونشير لمخاوفنا، حيث قال: "أحيانًا يتم تداول معلومات، وعلينا التواصل دائمًا كلما صدرت بيانات فى جنيف"، في إشارة إلى تقارير وجلسات المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان، ولكنه عاد ليؤكد أن الجانب الأهم من الزيارة يتعلق بالقضايا الإقليمية، لأن منطقة دول أوروبا والبحر المتوسط تواجه كثيرا من القلاقل. وبشكل عام، تناول بوريل قضية حول التعاون الثنائي بين الطرفين، القاهرةوبروكسل، فكشف عن رغبته في تعزيز الشراكة بين مصر و الاتحاد الأوروبي ، وقال: "نريد تقوية العلاقات، والتشاور مع مصر بشأن الكثير من القضايا الملحة، وبشأن الطاقة والكهرباء والبيئة والأمن، ونعمل في مجالات مهمة من أجل رفاهية الشعب ال مصر ي، ومنها الرعاية الصحية والبيئة والتعليم". وعلى الرغم من هذه القائمة الطويلة من القضايا الحيوية، فإنه لوحظ وجود إصرار وتعنت غير طبيعي من جانب وسائل إعلام أجنبية وأوروبية لحصر النقاش حول قضية حقوق الإنسان، التي لا تشكل أكثر من نقطة في بحر العلاقات الوطيدة التي تربط القاهرةوبروكسل.