عقد الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الفترة الأخيرة العديد من الاجتماعات مع رئيس مجلس الوزراء وبعض الوزراء المعنيين بقطاع الصناعة، لمناقشة كيفية النهوض بعدد من الصناعات مثل الغزل والنسيج والحديد والصلب والسيارات والاغذية و الصناعات الفوسفاتية والاسمدة وغيرها، الامر الذى يشير الى بدء إعادة الاعتبار للصناعة المصرية. ومن المفارقات انها تتزامن مع الذكرى السنوية لرائد من رواد الاقتصاد والصناعة الوطنية فى مصر وهو طلعت حرب، الذى حلت ذكرى وفاته التاسعة والسبعين فى الثالث عشر من اغسطس الحالي. خاصة ان الظروف الحالية تتماثل تقريبا مع ظروف ازمة الثلاثينيات من القرن الماضى والتى جعلته يضع برنامجا كاملا لعلاج ازمة مصر الاقتصادية ركز فيه على تشجيع الصناعات الوطنية وانشاء صناعات حديثة جنبا الى جنب مع إصدار سلسلة التعريفات الجمركية الهادفة لحماية الصناعات الناشئة خاصة الغزل والنسيج . وهو توجه مهم وضرورى خاصة فى هذه الآونة مع انتشار العديد من الآثار السلبية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد المصري. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الآثار التى يمكن ان تنعكس ايجابيا عل ى الاقتصاد القومى والصناعة المصرية . اذ تشير الاحصاءات الى انخفاض قيمة الواردات المصرية من 34 مليار دولار خلال الفترة (يناير مايو 2019) الى نحو 26 مليارا خلال الفترة نفسها من العام الحالي، بانخفاض نحو 8 مليار دولار الامر الذى يشير الى امكانية قيام الصناعة بالاحلال محل الواردات.وهو ما يؤدى إلى وفر فى العملات الأجنبية المُنفقة على الواردات التى ينتج بديل محلى لها. وتوجيه هذه الحصيلة لشراء السلع الاستثمارية التى يصعُب تصنيعها محلياً.واحداث تحويلات هيكلية فى البُنيان الصناعي، وتشغيل الطاقات العاطلة واستغلال الموارد المتاحة ومعالجة العجز فى الميزان التجارى والإقلال من انعكاسات التقلّبات والأزمات العالمية على الاقتصاد المحلي. ومن هنا اصبح التساؤل المطروح هو ماهى آليات تحقيق ذلك؟ وماهى أنواع الصناعات التى تتمتع فيها مصر بقدرة تنافسية؟ وتنبع اهمية هذه التساؤلات فى ضوء الدور المهم الذى تلعبه القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الصناعة والتى تعد وبحق محور الانطلاق الرئيسى لاى مجتمع يرغب فى احداث طفرة تنموية حقيقة، نظرًا للآثار الإيجابية الكثيرة والمتعددة لهذا القطاع وعلاقته التشابكية القوية مع العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى فى المجتمع مثل قطاع الزراعة والسياحة والخدمات. علاوة على دوره فى تنمية التجارة الخارجية وتحسين الميزان التجارى بالبلاد، كما أن لديه قدرات هائلة على توفير فرص عمل كثيرة ومتنوعة، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.وبالتالى تلعب الصناعة دورا مهما وحاسما فى عملية التنمية عموما وليس فقط الاقتصادية، من حيث قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية للسكان، ولهذا فإن التجارب الناجحة فى النمو هى التى يتوجه فيها الجزء الاكبر من التدفقات الاستثمارية الى القطاعات الاكثر قدرة على توليد فرص عمل جديدة اواضافة قيمة مضافة حقيقية الى الاقتصاد القومى وتحديدا القطاعات الإنتاجية. وقد عانت الصناعة المصرية كثيرا خلال الفترة الماضية حيث شهدت تراجعا ملحوظا فى النمو الذى دار حول 1% فى المتوسط قبل ان يصل الى 2.8% عام 2018/2019 وهو معدل ضئيل للغاية كما أن مساهمتها فى الناتج لم تزد على 17% ويعمل بها 13% من اجمالى المشتغلين.هذا فضلا عما تتصف به الصناعة التحويلية من قاعدة صناعية ضعيفة، مصحوبة بانخفاض فى الإنتاجية، بل والمشكلة الأكثر تكمن فى كون القيمة المضافة منها مازال مبنيا على الموارد الطبيعية وهو مالا يشجع على النمو الاقتصادى المرتفع. لذلك لم يكن مستغربا ان تظل نسبة السلع الصناعية فى الصادرات المصرية منخفضة للغاية. كما تتميز الصناعة المصرية بدرجة عالية من الاعتماد على الخارج لتوفير احتياجاتها من المدخلات الرئيسية. ويعود ذلك بالأساس إلى النمط التكنولوجى المستخدم والذى يؤدى إلى تحيزها نحو استيراد السلع الوسيطة وارتفاع نفقة مايتم استيراده من عناصر الإنتاج لمعظم الصناعات الرئيسية بالنسبة للقيمة النهائية. وهو ما يؤدى إلى التقليل من كفاءة استخدام الموارد المحلية وتزايد الاعتماد على الواردات، ولا يخفى ما لذلك من آثار سواء على سعر الصرف أو على هيكل الواردات المصرية. وبالتالى فان الأوضاع الحالية للصناعة المصرية، لن تمكنها من مواجهة التحديات المفروضة عليها الا عن طريق اعادة صياغة السياسة الصناعية الحالية، فعلى الرغم من القول بان ما يتمتع به الاقتصاد من عمالة وموارد طبيعية ورأس المال، يحدد ميزته النسبية، فإنها مقولة فضفاضة تحتاج الى المزيد من الايضاح فالعبرة هنا بأى صناعات تعتمد عليها الدولة وماهى اساليب الانتاج المتوقع استخدامها؟ وهل نحن فى حاجة لما اطلق عليه شومبيتر, التدمير الخلاق, اى اقتحام مجالات صناعية جديدة والتخلى عن صناعات تقليدية ثبت فشلها حتى فى ظل الحماية الجمركية والدعم السعري؟اذ تدلنا القراءة المتأنية للواقع المصرى على ان الصناعة لم تأخذ المكانة المستحقة فى الاهتمام والتركيز، فى ظل الأوضاع الموسسية القائمة حاليا، فوزير الصناعة لايملك من الأدوات والآليات مايمكنه من تحقيق الأهداف التنموية التى يصبو اليها لسبب بسيط للغاية يكمن فى تشتت الهيكل الانتاجى المصرى بين العديد من الوزارات فالقلاع الصناعية الكبرى تخضع لوزير قطاع الاعمال، اما باقى الصناعات فهى موزعة بين العديد من الوزارات، كالبترول والكهرباء والإسكان، وليس من ضمنها وزارة الصناعة. ولهذا لايبقى لوزير الصناعة سوى القطاع الخاص، وهو أيضا غالبا ما يرتبط ارتباطا وثيقا باتحاد الصناعات وليس بالوزارة ومن هنا شلت يد وزير الصناعة تماما عن تطبيق اى إجراءات او سياسات تنموية يهدف الى تحقيقها. من هنا يجب العمل على اعطاء أهمية كبرى والتركيز على تعديل الهيكل الحالى وإزالة المعوقات التى تعوق قدرة المؤسسات على الاضطلاع بمهامها. وتسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتعبئة الموارد المحلية واستخدامها افضل استخدام ممكن من خلال التوسع المنظم والفعال فى بناء القواعد الإنتاجية وتطبيق سياسات عاجلة لتحفيز الاستثمار الصناعي( الخاص والعام). وبعبارة اخرى وضع استراتيجية تنموية للصناعة تضمن التنسيق التام والكامل بين القطاعات المختلفة للاقتصاد القومي. نقلا عن صحيفة الأهرام