شغل " الإمام الشافعي " المصريين، سواء في حياته أو بعد مماته، حيث يؤكد المقريزي في تاريخه أن المصريين أحدثوا ثورة عنيفة، حين أراد أحد الحكام نقل رفاته، مضيفاً أن الإمام الشافعي توفي في خلافة المأمون، ودفن بجوار قبة الشهداء في مقبرة بني عبدالحكم، وقد كتب على رأسه من الحجر، هذا قبر محمد ابن إدريس الشافعي "أمين الله". ويسترسل المقريزي في حكايته المثيرة، ويحكى أن نظام الملك في بغداد، طلب من بدر الدين الجمالي أمير الجيوش في العصر الفاطمي، نقل رفاة الشافعي لبغداد، ولما نبش القبر هاج المصريون، وقاموا برجم بدر الدين الجمالي بالأحجار، إلا إنهم طردوا المصريون، وحين نبشوا القبر ثانية، خرجت من اللحد رائحة عطرة، ووجدوا جثمانه على حالته، فأغمي عليهم، وانتهز المصريون الفرصة فقاموا بإخراجهم من القبر، وأعادو ردم القبر ثانية مهددين بالثورة لو تم نقل رفات الشافعي. ويقول " سامح الزهار " الخبير الأثري في الآثار الإسلامية والعربية، في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، إن القبة الضريحية الحالية للأمام الشافعي، بنيت في العصر الأيوبي سنة 608 ه (1211م) في عصر السلطان الأيوبي "الملك الكامل محمد ابن العادل" عندما توفيت أمه في هذه السنة، ودفنت بجوار الإمام الشافعي ، وقد توفي الامام الشافعي بالفسطاط سنة 204 ه (819م) في آخر يوم من رجب وعمره أربعة وخمسون عاماً، في بيت عبد الله بن الحكم، ودفنه أولاد عبد الحكم في مقابرهم بالقرافة الصغرى، وشيدوا على قبره قبة ظلت قائمة حتى سنة 572ه (1176م)، حين أمر صلاح الدين الأيوبي بتجديدها، وبنى بجوارها المدرسة الصلاحية سنة 575ه (1179م)، عرفت بتاج المدارس، وكانت معقلاً لنشر المذهب الشافعي، وقد وصفها الرحالة ابن بطوطة في سيرته. وفي عام 1931م قام الأثري جلستون فييت بإلقاء محاضرة بالمجمع العلمي المصري، حيث أظهر فيها بالتفاصيل الشواهد التاريخية لضريح الإمام الشافعي ، وأكد أن قبة الشافعي بقية سليمة لمدة 300 سنة، حيث أقيمت على أرض صلبة، إلا إن قايتباي في العصر المملوكي قرر إصلاح القبة بعد قيامه بزيارة الضريح الذي كان مقصدا للمصريين، منذ وفاة الشافعي، وكشف "جلستون" أنه رغم دفن الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين الأيوبي ووالدته بجوار الشافعي، إلا إن قبورهما مجهولة ولم يستدل عليها حتى الآن. ويوضح " سامح الزهار " أن ضريح الإمام الشافعي هو أكبر أضرحة مصر قاطبة، وهو مربع طول ضلعه من الداخل 15 متراً، ومن الخارج 5.20 متر، وسمك الجدران 2.75 مترا، ويتميز بمتانة البناء وقوة تحمله، يمكن معرفة مواد البناء التي استخدمت في تشييد الضريح من الناحية الخارجية للجدار الجنوبي الشرقي، فنرى أن الجزء الأسفل من جدران الضريح مبنى من كتل من الحجر متساوية الاحجام، يبلغ ارتفاع كل أربعة مداميك منها 1.80 متر، وفوق الزخارف القالبية ثلاثة مداميك تظهر بعدها رؤوس عروق خشب تدور حول الجدار بغرض تثبيت مداميك البناء، بعد ذلك نجد عروقا خشبية في وضع رأسي لتقوية الجدران وزيادة قدرتها على التحمل، وتصل هذه العروق حتى بداية الطابق الثاني للضريح، ثم استخدام الآجر في البناء، الجدران الأربعة الخارجية خالية من الزخارف حتى ارتفاع 6.30 مترا، ثم تأتى زخرفة قالبية بارزة تشكل حليات زخرفية ابتداء من المدماك الخامس عشر، بعد الزخرفة القالبية نجد شطف في كل ركن من الأركان الاربعة، به مقرنصات زخرفية، ثم ترتد الأركان إلى وضعها الطبيعي. والأمام الشافعي الذي يمتد نسبه لقبيلة قريش، عاش في مصر بعد أن وفد لها ومعه أبناؤه زينب وفاطمة وأبوعثمان وزوجته حميدة / حفيدة الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأرضاه ، وقد ألف الكثير من المؤلفات في مصر، وقد أنجب أبنه أبا الحسن من زوجة آخري تدعي دنانير، بعد وفاة زوجته حفيدة الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأرضاه ، وقد تعرض الضريح لانتهاك من الغزاة العثمانيون، الذين أرادوا سلب محتوياته وآثاره، يقول الجبرتي أن علي بك الكبير قام بتجديد الضريح فيما بعد، حيث كان يؤكد أن العثمانيين أخذوا الملك بالنفاق والسيف. ويؤكد " سامح الزهار " أن أعمال التجديد التي أجراها علي بك الكبير بالضريح كانت عام 1772 (1186ه)، حيث تنتهى الزخارف من أعلى بأفريز من الخشب عليه كتابة بالخط الكوفي باللون الذهبي على أرضية حمراء، ويرجع أيضاً إلى تجديدات على بك الكبير، أما عن المركب الصغير المثبت في هلال القبة، وتتدلى منه سلسلة حديدية، فهو يُعرف باسم (العشاري)، والعشاري مركب صغير خاص كان يستخدم في النيل والخلجان، منه ما هو خاص بالملك، ومنه ما هو خاص بكبار رجال الدولة، وذكر أنه ربما يكون قد وضع على قبة الإمام الشافعي رمزًا لعلم الإمام الشافعي ، خاصة أنه كان يُعد بحراً للعلوم، وأشار بعض المؤرخين والرحالة ومنهم عبدالغنى النابلسي الذي زار مصر سنة 1105 ه (1692م) ورأى المركب فوق القبة أنه كان يملأ بالحبوب (لأكل الطيور)، وذكر علي مبارك في الخطط التوفيقية والذي وصف المركب، بأنه كان يسع قدر نصف إردب من الحبوب. ويوضح "الزهار" أن الباب الخارجي لمدخل الضريح من الخشب المصفح وهو حديث نسبياً، ويبدو أن الباب الأصلي ويحمل اسم الإمام الشافعي قد نقل إلى ضريح الامام الليث، أثناء أحد أعمال التجديد التي تمت على ضريح الشافعي، ومن ناحية أخرى نقلت لجنة حفظ الآثار العربية أحد أبواب الضريح للعرض بمتحف الفن الاسلامي بالقاهرة. وتبقى محبة الإمام الشافعي ساكنة في قلوب وحياة المصريون، ويظل يشغل بشخصه وعلمه الكبير اهتماما كبيرا في حياتنا حتى بعد وفاته بمئات السنين، سنجد على سبيل المثال أن صحيفة "الأهرام" نشرت تقريرا في عشرينات القرن الماضي عن سبب وفاته، وهو التقرير الذي أحدث ضجة، وتلقته المجلات الأدبية التي برأت أعداء الشافعي من تدبير موته، إلا إن المصريين كانوا دائما يرسلون الرسائل للشافعي في ضريحه الكائن بالقرافة في المنطقة الجنوبية منها، تلك البقعة التي أشتهرت عبر العصور بعد أن دفن بها ذريات آل رسول الله، وأولياء الله الصالحيين منذ الأزل. ضريح « الإمام الشافعي » ضريح « الإمام الشافعي » ضريح « الإمام الشافعي » ضريح « الإمام الشافعي » ضريح « الإمام الشافعي »