تكافؤ الفرص.. آلية رئيسية اعتمدتها ثورة 23 يوليو للوصول بجميع أفراد المجتمع إلى بر العدالة الاجتماعية . كانت العدالة الاجتماعية والمساواة والعدل في طليعة مبادئ الثورة.. تلك المبادئ الستة التي تضمنها بيان الثورة. مبدأ أن يكون الفرد مميزا بما لديه من خبرات وقدرات ومهارات بغض النظر عن كونه ابن غفير أو ابن وزير خرج بالمجتمع المصري من ظلام الطبقية لنور الحماية الاجتماعية والمساواة. انحازت ثورة 23 يوليو - تلك الثورة التي قام بها الضباط الأحرار من أبناء الجيش المصري بزعامة الراحل جمال عبد الناصر - للفقراء والطبقات الدنيا من المجتمع لتوفر لهم سبل العيش وتكفلها لهم. كان المجتمع قبل 23 يوليو منقسم إلى طبقتين إحداهما عليا والأخرى دنيا ومثل ذلك فجوة مجتمعية كبيرة بين الأغنياء والفقراء. آمنت ثورة 23 يوليو أن تلك الفجوة وراء انتشار التخلف والجهل والمرض واستمرار الاحتلال في الهيمنة على مقدرات البلاد لذا ظهرت هنا أهمية العدالة الاجتماعية كضرورة ملحة للنهوض بالشعب المصري. تقول سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس إن العالم كله كان يعاني من غياب العدالة الاجتماعية ولهذا السبب كانت هناك الثورة الفرنسية ثم تبعتها ثورات كثيرة ، مضيفة أن الطبقية كانت متصدرة المشهد على طول الخط . وأضافت استاذة علم الاجتماع أن ثورة 23 يوليو فتحت الأبواب لكل من عنده قدرات وشهادات تثبت أنه قادر بأن يتعلم ويشغل مناصب هامة في المجتمع وأن يحصل على حقوقه الانسانية دون وضع مسألة الأصل والفصل والعائلة في الحسبان ولكن الإنسان بنفسه فقط وقدراته. يتفق معها عبد الناصر قنديل الخبير الاقتصادي والأمين العام المساعد لحزب التجمع مؤكدا أن قضية العدالة الاجتماعية كانت واضحة تماما في ذهن صناع ثورة 23 يوليو وأوضح : هذا تجلى في منهجهم سواء فيما يتعلق بسياسات الإصلاح الزراعي أو فيما يخص تأميم عدد من المشروعات و الصناعات الرئيسية وتحويلها لصناعات وطنية. ثورة 23 يوليو و العدالة الاجتماعية عمدت الثورة لتحقيق العدالة الاجتماعية على خطين متوازيين الأول حققت فيه العدالة بطريقة مباشرة والثاني اتخذت خلاله إجراءات من شأنها تحقيق العدالة على المدى البعيد لينعم بها الأجيال القادمة ويستفيدون من ثمار ثورة 23 يوليو . القضاء على الإقطاع كان أول القرارات المباشرة التي مدت به ثورة 23 يوليو أول جسورها نحو العدالة الاجتماعية . فلقد تم تحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان وإعطاء كل فلاح 5 أفدنة لتحقيق الحد الأدنى من سبل العيش والتي جاءت في أول تشريعات الثورة الإصلاحية في 9 سبتمبر 1952. ويعلق قنديل على ذلك قائلا إن الرقعة الزراعية كانت تبلغ وقتها حوالي 6 ملايين فدان تم إعادة هيكلتهم بحيث تم توزيع جزء كبير منهم على الفلاحين أنفسهم مما كان له أثره الفورى والمباشر على هذه الفئة . بعد ذلك جاءت الحاجة لتحديد حد أدنى للأجور وقد انطلقت شرارة هذا التشريع من صعيد مصر حين زاره الزعيم الراحل جمال عبد الناصر . أثناء زيارة عبد الناصر للصعيد قام أحد عمال التراحيل هناك بإعطاء الزعيم لفافة تحتوي على قليل من البصل والعيش والجبن لتكون رسالة ذكية وتعبيرا ضمنيا مهذبا على شظف العيش الذي تعيشه هذه الفئة. وقتها تلقى عبد الناصر رسالة عامل التراحيل الصعيدي بصدر رحب وفهمها على الفور وأجابه " وصلت رسالتك" وعمد لسن ذلك التشريع بعدها عقب عودته من الصعيد. رسالة اعتراض مهذبة من عامل صعيدي على الأوضاع المعيشية الصعبة مثلت اللبنة الأولى في مكتسب الحد الأدنى للأجور، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة تشريعا حدد فيه الحد الأدنى للأجور بما يوازي 25 قرشا في اليوم. بعد ذلك انطلقت الثورة في إكمال بناء صرح التشريعات التي من شأنها إصلاح منظومة العمل المصرية، وانحازت في تشريعاتها هذه للعامل، حيث نظمت العلاقة بينه وبين صاحب ووضعت أجرا عادلا مقابل ساعات عمل محددة. جاء ذلك إلى جانب وجود تأمينات على العاملين وحقهم في الحصول على معاش بعد نهاية خدمتهم وفي حالة إصابة العامل أثناء عمله وحصول العمال على نسبة من أرباح المؤسسة الاقتصادية التي يعملون بها. مجانية التعليم ولأنه بالعلم يرتقي الإنسان وينشر النور من حوله، طبقت ثورة 23 يوليو مجانية التعليم كمظهر هام من مظاهر العدالة الاجتماعية ، فانتشرت المدارس في جميع القرى المصرية. تلك المجانية التي وضع أساسها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وزير المعارف الأسبق في حكومة النحاس الوفدية. واستكمالا لبناء صرح العدالة الاجتماعية فلقد تم إقرار مجانية التعليم الجامعي في يوليو 1961، حيث كان قبل هذا التاريخ للأغنياء فقط فلقد كانت تكلفته المالية آنذاك 150 جنيه سنويا. وهنا تؤكد سامية خضر أن ثورة 23 يوليو كانت بداية عهد تكافؤ الفرص سعى خلالها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أن تكون مصر للمصريين وأعلن الحرب على الطبقية الراسخة في ثقافة المجتمع وأذهان الأغنياء . واستدركت أنه في البداية تم فرض مبادئ العدالة الاجتماعية على الطبقات الغنية في المجتمع ولكن مع الوقت توازنت هذه الطبقات مع المبدأ وتصالحت معه إلى حد ما .
حق الفقير في الصحة ولما كان المرض ينهش في أجساد الفقراء من المصريين حين لايمتلكون ثمن العلاج، جاءت مبادئ ثورة 23 يوليو لتكون رمانة الميزان في هذا الأمر وتحيط صحة المصريين ب العدالة الاجتماعية . مع مكتسبات الثورة أصبح الجميع أغنياء وفقراء متساوين في حق الحصول على العلاج مجانا ، وتم التوسع في إنشاء المستشفيات وإقامة المئات من الوحدات الصحية. تشير سامية خضر إلى أن ثورة 23 يوليو سعت لتحقيق العدالة الاجتماعية في ظل نيران الاستعمار وأنه برحيل الاستعمار استطاعت الثورة أن تتقدم خطوات عديدة في طريق العدالة الاجتماعية ، موضحة أننا لم نكتف بخروج المستعمر من بلدنا ولكن نادينا بانتهاء عهد الاستعمار في جميع الدول العربية وبالفعل بدأت دول أخرى تسير على نفس منهجنا وتابعت : كانت تطرب آذاننا حين نسمع "مقولة ارفع رأسك يا أخي لقد مضى عهد الاستعمار" وأردفت : بجانب مميزات ومكتسبات ثورة 23 يوليو .. دعينا نقول إنها كانت ثورة غير دامية مقارنة بالثورة الفرنسية على سبيل المثال وهذا كان أهم ما يميزها بل على العكس خرج الملك فاروق مصحوبا بتحيات الجيش المصري. كيف تحققت العدالة الاجتماعية على المدى البعيد
بعد تحقيق العدالة الاجتماعية بطريقة مباشرة وتغيرت الخريطة المجتمعية المصرية وتم إفراز الطبقة الوسطى .. جاءت الخطوات غير المباشرة لتحقيق العدالة الاجتماعية على المدى البعيد والتي تمثلت في إقامة الصناعات الوطنية ودمج العمال في مجالس إدارات الهيئات والشركات لبناء اقتصاد قوي يجعل أفراد المجتمع يملكون قوت يومهم ويعملون من أجل رفعة وطنهم .
في هذا الصدد يوضح قنديل أنه كان هناك اتجاه قوي لإنشاء مراكز اقتصادية مصرية في عدد من الاماكن مثال ذلك صناعة الكيما في أسوان ، صناعة السكر في نجع حمادي، صناعة الغزل في كفر الدوار والمحلة وكوم حمادة . ويشير قنديل إلى أن هذا أدى لوجود قطاع وطني مصري مملوك للشعب وجزء من عائدات إنتاجه توجه لصالح العمال وبالتالي هذا خلق فكرة ظهور العمال في مجالس الإدارات ووجود مجالس إدارات منتخبة. ويتابع قنديل : كان هناك منهج واضح لتحرك الثورة ولهذا الصناعات الوطنية التي أسسها عبد الناصر في خلال الخطة الخمسية الأولى والثانية ظللنا لمدة 40 عام عالأقل لانملك إلا المشروعات الوطنية التي تم تأسيسها في فترة يوليو ونعيش على عائدات تلك المشروعات. وأكد : مكتسبات ثورة 23 يوليو مثلث الأمان الاقتصادي للدولة المصرية وعدة طبقات وقطاعات واسعة من المصريين تجربة الرئيس عبد الفتاح السيسي واستطرد : ولعل هذا كان ملهما لتجربة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الفترة الأخيرة وهو العودة للمشروعات الوطنية والتوسع في المشروعات القومية والعمل على بناء بنية اقتصادية تحتية تستطيع أن تتحمل التغييرات الموجودة على الأرض وأن تحقق عائدات لصالح طبقات وفئات مجتمعية متعثرة نتيجة سياسات ما سمي بالخصخصة وبيع المنشآت التي بدأت في التسعينيات واستمرت حتى عام 2010. هكذا جعلت ثورة 23 يوليو العمل والجد والاجتهاد والمهارات والقدرات هم جواز مرور أي مواطن مصري لأرض النجاح والأحلام الوطنية الخالصة.