إقامة عدالة اجتماعية، والقضاء على الإقطاع، مبدأين من مبادئ ثورة 23 يوليو الستة، التي تضمنها ييان الثورة، والتف حولها الشعب الذي خرج مؤيدا لثورة الضباط الأحرار، بزعامة الراحل محمد نجيب آنذاك. القضاء على الإقطاع، وإقامة عدالة اجتماعية، يؤكد حقيقتين، أولهما، إدراك الضباط الأحرار من أبناء الجيش المصري، أن انقسام المجتمع إلى طبقتين، الأولى شديدة الثراء، والثانية تعيش الفقر المدقع، وراء انتشار التخلف والجهل والفقر، واستمرار الاحتلال في الهيمنة على مقدرات البلاد. الحقيقة الثانية، أن إيمان الشعب بتحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الإقطاع، سوف يكون له انعكاسه على نهضة مصر، وتحقيق الكرامة الإنسانية للمواطن المصري، واستقلال الإرادة الوطنية. ثورة 23 يوليو، حققت مبدأيها المتعلقين بالعدالة الاجتماعية، والقضاء على الإقطاع سريعا، وعبر عدة محاور، أول تلك المحاور كانت تشريعية. أصدرت الثورة أول تشريعاتها الإصلاحية في 9 سبتمبر 1952، بتحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان، على أن يتم توزيع الرقعة الزراعية على الفلاحين بواقع 5 فدادين لكل أسرة ولكل فلاح. خلال زيارة ناصر للصعيد، التقى ببعض عمال التراحيل، وقام أحدهم بإعطائه لفافة من البصل والعيش والجبن، في إشارة إلى وضع صعب تعيش فيه تلك الفئة من العمال فأجابه عبدالناصر وقتها: "وصلت رسالتك". على الفور، وبعد عودة ناصر من الصعيد، أصدر مجلس قيادة الثورة تشريعا جديدا جعل فيه الحد الأدنى للأجور ما يوازي 25 قرشا في اليوم. لم تتوقف المحاولات الناصرية الرامية لتحقيق العدالة الاجتماعية عند ما سبق، بل سعى عبدالناصر إلى إصلاح منظومة العمل المصرية، وذلك بسن تشريعات تنظم علاقة العامل بصاحب العمل، كانت وبحسب المراقبين منحازة للطرف الأضعف في المعادلة وهو العامل. من بين المبادئ التي حرصت على وجودها التشريعات العمالية أجر عادل للعامل مقابل ساعات عمل محددة، بالإضافة إلى ضرورة التأمينات على العمال، وحصولهم على معاش حال بلوغهم سن التقاعد، وفي حالة إصابة العامل أثناء عمله، وحصول العمال على نسبة من أرباح المؤسسة الاقتصادية التي يعملون بها. وعن ذلك يقول رضا عيسى، الباحث الاقتصادي، إنه بعد ثورة 23 يوليو كانت نسبة 60 % من أرباح المؤسسات الاقتصادية يتم إنفاقها على العمال بين أجور وتأمين ومعاشات وتطوير للقدرات، مما يؤكد اهتمام الثورة بفئة العمال والفلاحين. وأوضح عيسى في تصريحاته لبوابة الأهرام، أن النسبة تقلصت حتى بلغت أقل من 20% من أرباح المؤسسات الاقتصادية التي يحصل عليها العمال، وذلك قبيل ثورة 25 يناير، وهو مايكشف عن تراجع قيمة العامل المصري في المؤسسة الاقتصادية، رغم أن مصر واحدة من أعلى الدول في العوائد الاقتصادية الاستثمارية. في هذا السياق، يقول الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن العدالة الاجتماعية هو شعور يشعر به كل مواطن بأنه يحصل على حقوقه الأساسية في الوطن الذي يعيش فيه. وأوضح زايد، في تصريحات خاصة لبوابة الأهرام، أن ثورة 23 يوليو عظمت من انتماء العامل لمصنعه، وانتماء الفلاح لأرضه، وذلك بخلق دور لهم في إدارة المؤسسات الاقتصادية التي يعملون بها عقب ممثلين من العمال يتم انتخابهم في مجالس الإدارات. وأضاف أستاذ علم الاجتماع السياسي: كما أن شعور الفلاح تعاظم بالانتماء من خلال شراء الدولة للمحاصيل التي ينتجها بشعر عادل، وتوفير الجمعيات الزراعية على اتباع الأساليب العلمية في رعاية الأرض الزراعية، لتعود بأعلى معدل من المحاصيل يستفيد منها الفلاح والدولة، وتحقق الاكتفاء الذاتي. وعن مفهوم عبدالناصر للعدالة الاجتماعية، قال الزعيم الراحل: "لا يمكن أن يكون الغنَى إرثاً والفقر إرثاً والنفوذ إرثاً والذل إرثاً... نريد العدالة الاجتماعية، نريد الكفاية والعدل، ولا سبيل لنا لهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات، لكل واحد يعمل ولكل واحد الفرصة ولكل واحد العمل، ثم لكل واحد ناتج عمله». رؤية الزعيم الراحل للعدالة الاجتماعية في التعليم ظهرت عندما أقر على مجانية التعليم العام، بل وزاد عليها بمنح للمتفوقين وجعل التعليم العالي مجانيًا للجميع. لم يكن ذلك فحسب، ولكن ارتفع عدد الجامعات ليصل ل10 جامعات في أنحاء الجمهورية، بعد أن كانت 3 فقط، وتم التوسع في ميزانية التعليم، والاهتمام بالبحث العلمي، وإقامة مراكز متخصصة. أيضًا لم تعد الصحة من حظ الأغنياء فقط، بل أصبح التداوي حقًا أصيلًا لكل المصريين بالتوسع في إنشاء المستشفيات، وجعل العلاج مجانًا، وإقامة المئات من الوحدات الصحية. وحول ذلك يقول الدكتور أحمد زايد: نجحت ثورة 23 يوليو بقراراتها في الصحة والتعليم والعمل والزراعة والصناعة في خلق طبقة جديدة، وهي الطبقة الوسطى، والتي كانت بيدها إدارة شئون البلاد. وأوضح زايد، أنه بنظرة سريعة يسهل على أي مراقب اكتشاف أن صناع القرار خلال الفترة الماضية، ومنذ مطلع الثمانينات، هم من أبناء الطبقة الوسطى التي خلقها النظام الناصري وثورة 23 يوليو. ويؤكد زايد، أن العديد من المكتسبات التي يستند إليها المواطنون حتى يومنا هذا هي نتاج المرحلة الناصرية، مشيرا إلى أن ثورة 23 يوليو كانت تتخذ من كل ذلك قاعدة للانطلاق نحو تحقيق الإرادة الوطنية واستقلال القرار الوطني. وفي هذا السياق، يقول رضا عيسى، إن ثورة 23 يوليو فتحت الوعي العام المصري والعربي على القدرات الاقتصادية والبشرية التي يمتلكها تلك المنطقة، وأن الأمة العربية قادرة على أن تصبح أعظم الأمم إذا ما نجحت في إدارة مواردها الاقتصادية. واختتم عيسى: ثورة 23 يوليو أعادت توزيع الثروة، وجعلت الحد الأقصى للأجور 5 آلاف جنيه سنويا، كما شجعت الرأسمالية الوطنية، وبذلك حققت النهضة الزراعية، ووضعت مصر على طريق النهضة الصناعية والاقتصادية.