حياة المؤمن الحقة تكون في طاعة ربه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فالعبد المسلم لا تستقيم حياته إلا بطاعة الله، فكلما أدى فريضة أو فعل واجباً أو بذل معروفاً ازداد به اطمئنانًا وانشرح صدره وقرت عينه وارتاح باله. جاء رجل أعرابي إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وقال له يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك قال له رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "قل آمنت بالله ثم استقم". ف الاستقامة على الدين والثبات عليه عنوان الإيمان الصادق ؛ لأن المنحرف يميناً ويسارا يوم مطيع ويوم عاصي وشهر مستقيم وشهر منحرف يدل على الاضطراب وعدم اليقين، لكن المؤمن الثابت على إيمانه المستقيم عليه لا يتأثر بأي مؤثرات؛ بل هو على يقين جازم وصحة إيمان يسير عليه إلى أن يوافي الله. والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، هكذا تكون حياة المسلم كلها لله وفي سبيل الله، قال الله جل وعلا: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ)، أي أن كل أفعال المسلم منذ أن يبلغ سن التكليف إلى أن يلقى الله عليه هي كلها لله رب العالمين. وما خلق الله الإنسان إلا للعبادة، عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد؛ يقول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، فعلى المسلم الحق أن يسعى لتحقيق هذه العبودية لربه جل وعلا بالإيمان وبمحبته وتعظيمه والخوف والرجاء منه سبحانه وتعالى. وينبغي على كل مسلم أن يتذكر قول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، وعليه أن يسعى إلى هذه الحياة الطيبة؛ تلك الحياة لا تحققها الأموال والجاه وقوة البأس؛ وإنما يحققها إيمان جازم ويقين صادق وإخلاص لله في الأقوال والأعمال. أيها المسلم، عمر المسلم إنما هو في طاعة ربه ليس لعمله وقت محدود ولا شهر ولا زمان محدد ولا أيام معينة، بل كل أيامه وكل شهوره وكل أعوامه طاعة لله تمر به بعض المواسم فيقوى بها يقينه وإيمانه ويأخذ منها دروساً لبقية أعوامه. أيها المسلم، إن علامة صحة الإيمان الحق هي الاستقامة والثبات عليه، فالمستقيم على الإيمان الثابت على المبدأ السليم هو المؤمن حقا؛ لأن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، استقاموا على الهدى فلم ينحرفوا يمنة ولا يسرة لأن الإيمان حقا وقر في القلب وصدقه العمل. المؤمن الحقيقي يستقيم على هذا الدين ولا يضجر ولا يمل، وقد حذرنا الله تعالى في كتابه الجكيم بقوله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ). فالمؤمن الحق كلما طال أمده وكلما تقدم عمره ازداد رغبة وحبا في الخير؛ فهو لا يسأم من صلاته ولا صيامه ولا قيامه ولا زكاته ولا يمل؛ بل هو ثابت عليها لكمال اليقين الجازم يرجوا أن يلقى الله على هذا العمل الصالح. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ). أيه المسلم انقضى شهر رمضان، ولكن أخلاق المسلم لم تنقض، ورب رمضان هو رب شهور السنة كلها، أوصيك وأصي نفسي أولا ب الاستقامة على الدين وعلى عبودية ربك إلى أن يوافيك الأجل، فهكذا هي حياة المسلم، وهو دائما يسأل الله حسن الختام والوفاة على الإسلام، ويسأل الله أن يثبت قلبه وألا يزيغه بعد إن عرف الحق. (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).