الأشخاص الذي أنكروا الأزمة.. "كورونا" ستترك خلفها أشخاصا يعانون لسنوات طويلة من القلق والاضطراب النفسي الأزمة من بدايتها لديهم شعور داخلي بالذنب والخوف الشديد الخلافات الزوجية التي حدثت مع الحظر سببها أن كل طرف شعر أنه يتعرف على الآخر من جديد ومضطر للتعامل مع عيوبه التي كان يختبئ منها في مسئوليات الحياة " الطب النفسي للأوبئة " هو أحد الفروع المستقلة فى الطب النفسى والتى من شأنها علاج أثر الصدمات التى تتعرض لها المجتمعات بعد الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية وبالرغم من صعوبة الحياة فى ظل هذه الأزمات إلا أنها قد تخرج من الشعوب أفضل ما فيها مثل الوعى والالتزام وتحمل المسئولية والتعاون وقد تخرج أيضا أسوأ ما فيها مثل الاستهتار والجشع والأنانية .. فما هو الأثر النفسى الذى ستتركه أزمة فيروس كورونا على المصريين وهل ستترك خلفها جيل جديد مصاب بالهلع والقلق والاكتئاب أم أنها ستخلق روح جديدة من التراحم والتآلف بين الناس؟.. هذا ما سنعرفه من دكتور محمد طه أستاذ الطب النفسى كلية الطب جامعة المنيا. ترى هل سيخرج المصريون من أزمة فيروس الكورونا أكثر قلقا وفوضوية أم العكس؟ أزمة الكورونا من أكبر وأخطر الأزمات التى تعرض لها العالم كله وليس مصر فقط والطبيعى أن المجتعات تخرج من هذه الكوارث إما أفضل مما كانت أو أسوأ مما كانت، حيث إنه من الصعب الخروج منها مثلما دخلناها ويوجد فى الطب النفسى شىء اسمه اضطراب ما بعد الصدمة وهو قلق وتوتر واكتئاب يحدث بعد الصدمات النفسية والأزمات الكبيرة وقد تعرض له عدد كبير من المصريين بعد زلزال 92، بالإضافة إلى أن الأزمات النفسية ممكن تغير فى طبيعة الشخصية نفسها بمعنى أنها تحول شخص اجتماعى إلى انطوائى وهذه هى التغيرات السلبية ولكن هناك تغيرات إيجابية أيضا تحدث مع الأزمات فمثلا كثير من الناس يحدث لهم نمو. نفسى بعد الأزمات بمعنى أنهم يصبحون أكثر قدرة على مواجهة المخاطر ويصبح لديهم استعداد لخوض تجارب جديدة والبحث عن حلول إبداعية للأزمات ولكننا حتى الآن لا نستطيع أن نجزم ما سيحدث للمجتمع المصرى بعد هذه الأزمة من تغيرات إيجابية أو سلبية ولكن المؤكد أنه سيحدث تغيرات على مستوى الأفراد فسيزداد الوعى بأهمية النظافة الشخصية والحفاظ على جودة الحياة وقوة الاقتراب من الله. وماذا عن الآثار النفسية التي ستتركها هذه الأزمة؟ الآثار النفسية بدأت تظهر بالفعل من أول الأزمة وأغلبها منحصر فى القلق الشديد التوتر وطبيعى أن الجسم يستجيب لهذا التوتر بزيادة فى ضربات القلب وعدم النوم والأرق والكوابيس وارتفاع فى الضغط واضطرابات فى القولون والجهاز الهضمى وزيادة التعرق وأفكار مرتبطة بالموت والخوف على الأطفال والأباء وهذا الخوف بالتبعية يؤثر على المناعة والهرمونات أما مرضى مرض الوسواس القهرى فقد زادت عندهم أعراض المرض للدرجة التى تعوقهم عن الحياة بشكل طبيعى وكل هذا من شأنه الوصول إلى الاكتئاب وفقدان الإحساس بالحياة والشغف تجاه أي شيء وأغلب هذه الأعرض للأسف ستستمر مع بعض الناس بعد انتهاء الأزمة لسنوات طويلة. الأشخاص الذين تجاهلوا الكارثة بسخافات التيك توك والسخرية.. هل هم نماذج طبيعية؟ بعض الأشخاص لديهم طرق دفاعية نفسية يستخدمها العقل فى أوقات القلق الشديد أو الإحساس بالخوف أو الذنب هذه الطرق من شأنها أن تساعدنا على التعامل مع الأزمة لتجنب الخوف ومن ضمن هذه الوسائل الدفاعية الإنكار ومن يلجأ لهذه الحيل هو شخص من داخله لا يستطيع تحمل هذا الشعور بالخطر والتهديد بالمرض والموت والوحدة فيقابل الأمر بالتجاهل والسخرية وهذا قد يكون مقبولا إلى حد معين ولكن لو جعلت صاحبها ينفصل عن الواقع ولا يشعر به فسيتحول لشخص مؤذى لنفسه ولمن حوله وهذا الإحساس كان من أهم أسباب انتشار كورونا فى مصر. بعض الأشخاص الذين اعترضوا بشدة على قرار إغلاق المساجد والكنائس لا يصلوا من الأساس لا في بيت ولا في جامع.. فبماذا تفسر هذا السلوك؟ للأسف هذا حقيقى وهو أمر لا تفسير له سوى أنه نفاق حتى يقال إن فلان غاضب من إغلاق المساجد أو الكنائس وكأنه يتباهى بالتزامه الدينى فى حين أن الالتزام الدينى الحقيقى فى هذه الظروف هو أن يلتزم كل إنسان بيته حتى لا يؤذى الآخر فالله سبحانه وتعالى يوجد فى قلوبنا وخل قنا قبل أن يوجد فى المساجد والكنائس. خوف الناس من بعضها وحرص كل منا على وجود مسافة بينه وبين الآخر خوفا من العدوى .. شعور يمكن أن يستمر بعد انتهاء الأزمة؟ أتصور أن العكس هو ما سيحدث لأننا سندرك بعد الأزمة قيمة هذه التعاملات الإنسانية البسيطة. الغياب المستمر والانشغال بالعمل ومسئوليات والتزامات الحياة كانت الشكوى 90% من الزوجات ورغم ذلك عندما أتيحت الفرصة للطرفين بقضاء أطول فترة ممكنة معا انفجر بركان من المشاكل الزوجية.. فما تفسيرك لذلك؟ لأننا أصبحنا مضطرين نواجه بعض ونتعامل مع كل العيوب التى كنا نعلم بوجودها ونتجاهلها نتيجة الانشغال بمسئوليات الحياة والتزاماتها أو أننا لم نكن نعلم بها أصلا حتى مع العشرة الطويلة خاصة أن طول فترة البقاء فى البيت لم تكن بسبب ظروف عادية أو طبيعية وإنما لظرف خطير عرضنا جميعا لضغط نفسى عنيف وبالتالى كان طبيعى أن يكتشف كل طرف عيوب فى شخصية الآخر لم يراها من قبل وكأننا بنتعرف على بعض من أول وجديد لذا نجد أزواج اكتشفوا أن علاقتهم ببعض طيبة جدا وأنهم أضاعوا سنوات طويلة فى الاهتمام بأشياء لم تحقق لهم أى متعة حقيقية وحرموا أنفسهم من الاستمتاع بحياتهم معا ونجد أزواج آخرين اكتشف كل طرف منهم أنه لا يعرف الآخر لدرجة أن بعضهم شعر بالصدمة من شريك حياته ومن هذا الكم الرهيب من الاختلاف فى طباعهم وأن وجودهم مع بعض من الأساس كان غلطة بدليل ظهور كل هذا التنافر والتناقض من أول تجربة اضطرتهم للبقاء معا لفترة طويلة وبالتالى انفجار بركان الخلافات الزوجية كان أمر طبيعى جدا بعدما اضطررنا لمواجهة أنفسنا بحقيقة اختلافتنا التى لم تظهر من قبل لأننا كل واحد فينا كان يختبئ من الآخر فى نمط الحياة السريع. إذا كان هذا الاختلاف يبدو مقبولا بين الأزواج فماذا عما قاله بعض الأباء وخاصة الرجال إن طول فترة وجودهم فى البيت جعلهم يتعرفون على أبنائهم من أول وجديد.. فهل هذا أيضا طبيعي؟ للأسف معظمنا كان يعيش نمط حياة سريع ومخيف لدرجة جعلتنا نعيش أغراب تحت سقف واحد حتى العلاقة بين الأب وأولاده والتى تعد من أعظم وأهم العلاقات الإنسانية أصبحت لا تتعدى صباح الخير ومساء النور ليس أكثر وبالتالى أصبحت علاقتنا بأولادنا بادرة وسطحية دون أن نشعر لدرجة أن بعض الأباء صدموا من سلوكيات ومفردات أبنائهم ولم يدركوا أن هذه السلوكيات كانت موجودة من زمان ولكنهم لم يروها نتيجة ابتعادهم عن أولادهم فأصبحوا وكأنهم بيكتشفوهم من أول وجديد وبناء عليه هذه الأزمة سيكون لها نتائجها أنها قد تزيد من حالة التباعد والفجوة بين كل أفرد الأسرة سواء الأزواج أو الأباء والأبناء وإما تحدث العكس وتجعلنا نلحق ما فاتنا ونعيد صياغة علاقتنا بأولادنا وننصت لأفكارهم وأحلامهم ونكون لهم بر الأمان الذى افتقدوه نتيجة انشغالنا بتفاصيل حياة مزيفة كشفها لنا فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة وجعلنا نرى كيف أننا كنا نلهث خلف نجاح مهنى ومادى وعندما جاء وقت الجد لم ينفعنا منه شيء وأنه لن يبقى لنا إلا تكاتفنا وإحساسنا ببعض. ما الذى قد يتغير فى المصريين بعد الخروج من هذه الأزمة؟ الإحساس بقيمة الحياة فكثير من الناس سيعيد حساباته من جديد خاصة بعدما شعر بالقرب من الموت وأن الحياة قد تنتهى فى أى وقت لذا سنجد الأشخاص التى كانت متواءمة مع زواج غير سعيد تبدأ التفكير فى الخلاص منه والبحث عن حياة جديدة تشعر فيها بالسعادة، وكذلك الناس التى قبلت عمل لا تجد فيه نفسها ولا أحلامها ستفكر فى الاستقالة والبحث عن فرصة جديدة تحقق بها طموحاتها. نقلًا عن مجلة الشباب...