يقول المؤرخون، إن مهنة المسحراتي ظهرت في بداية القرن الثالث من الهجرة لأول مرة في القاهرة، وبالتحديد عام 228 ه في ولاية عنبسة بن اسحق على مصر، حيث كان يقوم بنفسه بهذه المهمة في مدينة الفسطاط وحول جامع عمرو بن العاص، وينادي: "يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة". ويسمى المسحراتي في بلاد المغرب ب"النفار"، وهو الشخص الذي يأخذ على عاتقه إيقاظ المسلمين في ليالي شهر رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبل أو المزمار ودقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية، وتعتبر مهنة " المسحراتي "، موسمية مرتبطة ب شهر رمضان فقط، وكادت أن تختفي تماما، عدة مرات في فترات متفاوتة عبر التاريخ. كان بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام وابن أم مكتوم يقومان بمهمة إيقاظ الناس للسحور، فالأول يؤذن فيتناول الناس السحور، والثاني يمتنع بعد ذلك فيمتنع الناس عن تناول الطعام. وأول من نادى بالتسحير عنبسة ابن اسحاق سنة 228 ه، وكان يذهب ماشيا من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادي النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطبلة هم أهل المصريين. أما أهل بعض البلاد العربية كاليمن والمغرب قديما فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطنابير وينشدون أناشيد خاصة برمضان. ويعتبر السلطان الظاهر بيبرس ، هو من أعاد هذه المهنة للظهور مرة أخرى في عصر المماليك، عندما أمر بتعيين شباب رجال الدين فيها، وجاء الحاكم بأمر الله في العصر الفاطمي، ليخصص لهذه المهنة بعض الجنود الساهرين على حراسة القاهرة ليلا، حيث كانوا يقومون بالطرق على أبواب البيوت لإيقاظ الناس للسحور. ظلت المهنة، باقية في أحياء القاهرة الشعبية والقديمة، فتجد المسحراتي في الأحياء التاريخية القديمة ومناطقها مثل (الخليفة، السيدة زينب، وسط القاهرة والأزهر والدرب الأحمر، الزاوية الحمراء، مصر القديمة)، وتختفي المهنة في أحياء القاهرة الراقية، لاختلاف عادات سكانها من السهر لصلاة الفجر وخلافه. وفى ظل الأزمة العالمية لانتشار فيروس كورونا المستجد، أكد مواطنون من أحياء (الخليفة ومصر القديمة)، اختفاء المسحراتي من الشوارع في رمضان هذا العام، فالكل ملتزم المنزل، ضمن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة ومحافظة القاهرة لمواجهة الفيروس، كما أن تطبيق الحظر، حال دون ظهورهم، والذي اعتاد عليه الأهالى مع كل رمضان، لافتين إلى أن من يعمل في المهنة بنطاق الحيين، هم من البسطاء الطامعين في كرم الأهالى ومنحهم مالا مع نهاية الشهر وحلول عيد الفطر.