فى النهاية أزمة كورونا ستنحسر وربما هى فى طريقها لذلك، لكنها ستظل هاجسا لفترة من الزمن تطول أو تقصر، وهو ما يعنى استمرار تداعياتها التى باتت تضرب اقتصاديات العالم وخصوصا البلدان الفقيرة التى تثقلها الديون وأعباء فوائدها التى تئن منها ميزانياتها، من هنا يأتى الدور المركزى الذى يجب أن يلعبه صندوق النقد الدولى فى التخفيف من تلك الآثار المخيفة، فدون مد يد العون لعواصم تلك الدول، فالأمر سيفضى إلى هلاكها. بعض من هذه الهموم، التى صارت تلقى بظلالها السلبية على العمليات التنموية شبه المتوقفة الآن، ومعها علامات استفهام عديدة طرحها «الأهرام» أمام «جهاد أزعور» مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق. وبطبيعة الحال كانت مصر حاضرة فى الحوار الذى جرى بواشنطن بدليل أن مواجهتها للكوفيد بدا محل إشادة وتقدير المنظمات الدولية المعنية بفضل الإصلاحات المهمة التى حدثت. أزعور أكد أن أكثر من 90 بلدا طلبت الاستفادة من مساعدات الصندوق البالغة 100 مليار دولار، وأن أكثر من 25 دولة حصلت على مساعدات. وقال: نحن فى خضم أزمة هى الأصعب بتاريخ العالم وخروج الاقتصاد العالمى من تلك الأزمة لن يكون بالسهل. وأضاف أن القاهرة امتصت جزءا من الصدمة، وسيحدث تراجع اقتصادى لكل دول المنطقة، وكشف أن هناك اجتماعا الأسبوع المقبل بين محافظى البنوك المركزية ووزراء المالية مع المدير التنفيذى للصندوق لطرح كيفية مواجهة التحديات وكيفية نظر دول المنطقة لدور الصندوق وكيفية تحسينه والأولويات التى يجب أن نعمل عليها. قدم الصندوق 50 مليار دولار لمساعدة دول العالم لمواجهة كورونا ، فما حجم حصة دول الشرق الأوسط وآسيا الأوسطى منها؟ الصندوق وضع فى المرحلة الأولى مساعدات سريعة بقيمة 50 مليار دولار لدعم الدول التى تعرضت للصدمة جراء أزمة كورونا ، وهذا المبلغ تم رفعه إلى 100 مليار دولار، حاليا، بالإضافة إلى ذلك قام الصندوق بإضافة إجراء ثان وهو للدول الأكثر ضعفا وفقرا من خلال تقديم هبات يضعها الصندوق تحت تصرف الدول التى عندها قروض مع الصندوق لتأجيل الدفعات إلى 6 أشهر، وتستعمل تلك المبالغ فى تمويل احتياجاتها الصحية، وليس هناك توزيع مناطقى أو جغرافى للمساعدات، ولكن طبقا لحاجة الدول. فمثلا منطقتنا العربية يوجد بعض الدول لم تطلب مساعدات مثل دول الخليج والتى لديها دخل مرتفع، وليس هناك أى شروط عدا تأثير الأزمة على ميزان المدفوعات والقدرة على السداد. ويوجد أكتر من 90 دولة بالعالم طلبت الاستفادة من تلك المساعدات، وللاستفادة منها هناك شرطان أساسيان لابد من توافرهما معا فى أى بلد بحاجة للدعم، أولهما أن يكون هناك تأثير سلبى على ميزان المدفوعات نتيجة الأزمة وثانيهما قدرتها على السداد. أما آلية العمل فهى سريعة حيث تم تبسيط الإجراءات حتى لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أسابيع وتتعلق بمدى توافر المعلومات، وتعرض على مجلس إدارة الصندوق الذى سيوافق عليها. حاليا يوجد أكثر من 25 دولة حول العالم حصلت بالفعل على المساعدات، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات أخرى إلى بعض الدول أو تعديل البرامج مثلما حدث مع الأردن، حيث تم التعديل ليأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الطبية والصحية التى قد تكون بحاجة إليها. بالنسبة للتسهيل الآخر أو الهبة هو برنامج كان موجودا أيام أزمة «إيبولا» وقد تم تفعيلها ورفع سقف الاستفادة منها، ونعمل الآن على مساعدة اليمن من خلالها، كإحدى دول المنطقة، بالإضافة إلى إجراء آخر للبلدان الناشئة والتى أوضاعها الاقتصادية جيدة فقط. ما هى الخطوة التالية بعد الحزمة الأولى من المساعدات المقدرة ب100 مليار دولار؟ الصندوق يعمل على أربعة محاور: الأول هو الآليات الجديدة والتى هدفها دعم الدول التى تتعرض لصدمات غير مسبوقة، والثانى هو تطوير من خلال البرامج العادية وقدرة الصندوق على التجاوب والإسراع بتأمين الدعم فى هذه المرحلة الاستثنائية، والثالث هو تقديم المشورة والدعم التقنى للدول، أما المحور الرابع والأخير فهو تجييش المجتمع الدولى لتأمين أكبر كمية من الدعم للدول النامية والدول الأكثر ضعفا اقتصاديا. كثيرا ما شكل الصندوق وشروطه مخاوف لدى دول عدة، فهل المساعدات الحالية تدخل ضمن هذا الهاجس ؟ وهل لدى الدول رفاهية الرفض؟ وهل ستشكل أعباء على الحكومات وفوائد مستحقة تدفعها الأجيال القادمة؟ كل برنامج يختلف عن الآخر وكل تسهيل وله شروطه وظروف معينة، فمثلا توجد مجموعة من البرامج هدفها دعم الإصلاحات الاقتصادية لمعالجة اختلال بالاقتصاد بسبب سياسات أدت إلى تراجع الاستقرار الاقتصادى ومن هنا يتم بناء البرنامج. الدول الآن بحاجة إلى المحافظة على حياة مواطنيها والدعم اللوجستيى للتخفيف من أعباء الأزمة الكورونية كى لا تتحول إلى معضلة اقتصادية كبرى، والصندوق يعتمد فى تمويله على القروض ويعطى جزءا قليلا على شكل هبات للدول الأكثر فقرا، إنما أهم أدوات الصندوق من خلال تمويل القروض. المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى تقدم تسهيلاتها على شكل قروض، والمنح تقدم لتخفيف أعباء الفوائد وتأمين الدعم للدول الأكثر ضعفا. ما السيناريو الأسوأ الذى يستعد له صندوق النقد الدولي؟ الحقيقة نحن فى خضم أزمة هى الأصعب بتاريخ العالم وليس لها مثيل، فهى مجموعة من الأزمات التى تفاعلت سلبيا وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد، وأيضا عدم معرفة الوقت الذى تتطلبه معالجة الوباء وتأمين آليات للشفاء والطريقة الوحيدة حتى الآن من خلال الإقفال التدريجى للحركة الاقتصادية والتى بالطبع لها تأثير على النمو الاقتصادي، وعدم اليقين بهذا المجال هو من أصعب الأمور الحالية للقدرة على قراءة المستقبل ومما لاشك فيه أن الدول تحاول جاهدة وتتحرك بسرعة لمواجهة تلك الأزمة، ولكن تلك المواجهة لها تكلفة والتحدى الأساسى والموازنة، وما يمكن القيام به اليوم هو الحفاظ على حياة المواطنين والصحة، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن يكون الدعم مرتبطا بقدرة كل دولة ويتم إعادة ترتيب الأولويات وإعادة النظر فيما هو موجود من إمكانيات، والتأكد من أن كل دولة قادرة على المحافظة على استقرارها فى تلك المرحلة. ولهذا السبب ننصح بأن تكون الإجراءات المتخذة هادفة للقطاعات الأكثر تأثرا ومحددة زمنيا. هل تتوقع أن تكون هناك زيادة فى عدد الحكومات الراغبة فى مساعدات الصندوق خاصة مع استمرار تباطؤ الاقتصاديات فى العالم؟ من الصعب التكهن الآن، الدول المتقدمة بطلبات تخطت 90 دولة، وبلا شك اليوم هذه المرحلة تتطلب أدوات استثنائية، ومن هنا يوجد استمرار من قبل الصندوق بالنظر إلى كيفية تطوير أدواته ليصبح قادرا على مواكبة تلك المرحلة، لأن أحد أدوارنا هو مساعدة الدول لمواجهة الأزمات. واستجاب الصندوق للوضع العالمى الراهن، وعمل بكامل طاقته لدعم ال189 دولة أعضاء به، من خلال تقديم المشورة الفنية بشأن السياسات والموارد المالية، حيث تصل طاقة الإقراض إلى تريليون دولار، فى ظل توقعات بأن يتعافى العالم من هذه الأزمة غير المسبوقة فى الربع الرابع من العام الحالي. فى بداية كلامك تحدثت عن أن الصندوق يراعى الدول الأكثر فقرا، هل هناك نية لإسقاط فوائد ديونها؟ فيما يتعلق بالديون مع الصندوق، الإجراء المتخذ هو تمكين الدول الأكثر فقرا من عدم إلزامها دفع أعبائها خلال مرحلة الأزمة الحالية، والذى نتمناه هو أن تحذو الدول الغنية حذو الصندوق فيما يخص قروضها للدول الأكثر فقرا. لا شك أن المجهود المبذول من جانبكم ملموس، وهل مصر من ضمن الدول التى طلبت المساعدة؟ نحن على تواصل دائم مع الحكومة المصرية والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لتخفيف الأعباء على المجتمع المصرى والمشاورات دائما مستمرة، ولكن مصر لم تتقدم بطلب للحصول على مساعدات حتى الآن. فيما يتعلق بالمنطقة فالعمل يجرى على ثلاثة مستويات الأول دعم وتمكين الدول لمواجهة التداعيات الخاصة بأزمة كورونا من خلال المساعدات التمويلية، والثانى التعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية الأخرى لزيادة نسبة الدعم للدول التى بحاجة إلى دعم فى المنطقة، وعلى تنسيق دائم بين الاتحاد الأوروبى والبنك الدولى والبنك الأوروبى للاستثمار والصناديق العربية. أما المستوى الثالث فينحصر فى مواكبة السياسات للدول التى بحاجة للتمويل والدول الأخري، وسيكون هناك اجتماع الأسبوع المقبل بين محافظى البنوك المركزية ووزراء المالية مع المدير التنفيذى للصندوق لطرح ثلاث قضايا رئيسية وهى كيفية مواجهة التحديات وكيفية نظر دول المنطقة لدور الصندوق ومدى إمكانية تحسين دوره، وما هى الأولويات التى يجب أن نعمل عليها . هل ساهم الإصلاح الاقتصادى الذى نفذته مصر بدعم من الصندوق فى تحمل الحكومة أعباء مواجهة الجائحة؟ بالطبع لأنه عزز القدرة عند الحكومة المصرية بسبب ارتفاع مستوى الاحتياطى لدى البنك المركزى، وعزز القدرة المالية بسبب ارتفاع مستوى النمو الاقتصادى لأكثر من 5.6%، وأيضا عزز القدرة على القيام بتوسيع برامج الحماية الاجتماعية من خلال كل البرامج التى اعتمدتها الحكومة المصرية الفترة الماضية، ومما لا شك فيه أن تلك الإجراءات التى اتخذتها الحكومة منهجا فى الفترة الماضية أثبتت جدواها ومكنت مصر من أن تتحمل صدمة من كبرى الصدمات الاقتصادية. اتخذت مصر عدة محاور للحد من آثار فيروس كورونا وتدعمها حزمة تحفيز شاملة وتدابير نقدية ومالية. إن حزمة ال100 مليار جنيه التى أعلنتها الحكومة المصرية مؤخرا تدعم الاقتصاد، ويقوم البنك المركزى المصرى بدوره فى تحفيز الاقتصاد، من خلال تخفيض كبير وغير متوقع لسعر الفائدة بواقع 3%، وضمان توافر سيولة كافية وتدابير أخرى مثل وضع حد للسحب اليومى والإيداع لتجنب الضغط على سوق العملة، وكذلك شهادات ذات عائد ال15% التى توفرها البنوك الحكومية. هل ترى أن دعم الصندوق هو فقط من ساعد مصر على النجاح فى مواجهة الجائحة؟ قدرة الشعب المصرى هو ما ساعد على القيام بإصلاحات والتزامه بمعالجة الاختلالات التى كانت موجودة والمثابرة على العمل ومعالجة كل الأمور التى كانت بحاجة لإصلاح، وسعر الصرف المرن ومستوى الاحتياطى القوى يوفران حماية كبيرة للاقتصاد المصرى أمام الصدمات الخارجية فى ظل الانكماش العالمى الحالي. وأضاف أن هدف السياسة النقدية يرتكز على الحفاظ على معدل التضخم عند مستويات منخفضة ومستقرة، بما يتماشى مع أهداف البنك المركزى متوسطة الأجل، مشددا على أنه إذا حافظ التضخم على مسار هبوطى ثابت، فسيكون للسياسة النقدية مجال لمزيد من التيسير. وأكد أن مصر لديها حاليا مستوى كاف من احتياطيات العملات الأجنبية، وأن الحكومة مستعدة للتحرك بشكل حاسم إذا ما ظهرت حاجة لذلك، وأن الصندوق على تواصل وفى نقاش مستمر مع البنك المركزى ووزارة المالية. وشدد على أن الصندوق على استعداد لدعم مصر وفقا لما يناسب احتياجاتها وإذا استدعت الحاجة، هل ستحتاج مصر لمساعدات أو دعم فى المرحلة المقبلة سواء من الصندوق أو مؤسسات أخري؟ قرار الحصول على دعم بيد الحكومة المصرية، ولا يوجد شك فى أن مصر تمكنت، بعد الإصلاحات الاقتصادية، من إنجازات سمحت لها أن تمتص جزءا من الصدمة من خلال التحسن فى الاحتياطات النقدية وتحسن مستوى النمو وتحسن وضع المالية العامة، ولكن بالنهاية فهى صدمة عالمية أثرت على قطاعات حيوية بمصر مثل السياحة والتصدير ولا يوجد أى اقتصاد بالعالم لم يتأثر بسبب الأزمة.