اتخذت القمة الإفريقية التي تبدأ أعمالها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اليوم قضيتين متلازمتين ومستعصيتين على الحل محورًا لعملها هذا الأسبوع، الأولى خريطة الطريق الخاصة بوقف الصراعات؛ والتي تُعرف بإسكات البنادق لكي يتم تهيئة الظروف لتحقيق التنمية في إفريقيا، والثانية مشكلة اللاجئين والنازحين والعائدين بالقارة السمراء وكيفية التوصل إلى حل دائم لها؛ فإفريقيا هي صاحبة أكبر عدد من لاجئي ومشردي الحروب والصراعات وموجات الجفاف بين قارات العالم. مبادرة «إسكات البنادق» كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أعلن أمام منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين في ديسمبر الماضي أنها ستكون العنوان الرئيسي للاتحاد الإفريقي خلال عام2020، وخارطة طريق وبنية أساسية للسلم والأمن الإفريقيين في محاولة جديدة لوقف الصراعات الدموية، ومواجهة تمدد الجماعات الإرهابية في القارة، وتوفير ما تستنزفه من مقدرات شعوبها. فالعلاقة مترابطة بين السلم والأمن وبين التنمية المستدامة، والتنمية تحتاج إلى إحلال السلام وتوفير الأمن بوقف الصراعات المسلحة والقضاء على الجماعات الإرهابية؛ حتى يمكن قطع خطوات تنموية ملموسة؛ لأن النزاعات المسلحة والعمليات الإرهابية التي تصاعدت وتيرتها في أنحاء القارة دمرت القليل القائم من البنية الأساسية اللازمة للتنمية، وحالت دون تحسين معيشة الملايين بإقامة مشروعات تنموية أو جلب استثمارات خارجية، وتحتاج مشروعات البنية الأساسية الإفريقية - على سبيل المثال - إلى 150 مليار دولار سنويًا لا تستطيع دول القارة توفير سوى 90 مليارًا منها، وتنتظر الباقي كمساعدات واستثمارات خارجية. ويبدو الأمر صعبًا؛ لأن قضية إيقاف الصراعات تم تناولها في القمم الإفريقية مرارًا والاتفاق على تدابير لكبحها، ولكن لم يتحقق الهدف المنشود لأسباب عديدة بعضها - وليس كلها - خارج عن إرادة الحكومات؛ فمثلًا قررت قمة 2005 جعل إفريقيا خالية من الصراعات بحلول 2010، ومازالت النزاعات المسلحة القبلية والعرقية والدينية مستمرة في دول عديدة على السلطة والثروة وبسبب الجماعات الإرهابية مثل "بوكوحرام والقاعدة وداعش"؛ ولكن الأمل لم ينقطع بعد. فيما يتعلق بالنازحين فقد أعلنت وكالة الأممالمتحدة لغوث اللاجئين أن إفريقيا كانت صاحبة النصيب الأكبر من زيادة عدد الذين فروا من الحروب والعنف والاضطهاد حول العالم (69 مليونا) بنسبة 20% خلال 2017، وأُجبروا على النزوح بسبب الحرب التي شردت نحو مليون إنسان في جنوب السودان وضاعفت العدد في الكونغو الديمقراطية ليبلغ نحو 621 ألفًا. وفي مايو الماضي ذكر تقرير ل"مركز رصد النزوح الداخلي" و"المجلس النرويجي للاجئين أن 28 مليون شخص نزحوا في 2018 بفعل الكوارث الطبيعية والنزاعات في أنحاء العالم من بينهم 10,8 مليون، معظمهم بسبب الصراعات في الكونغو الديمقراطية وسوريا والتوترات الطائفية في إثيوبيا والكاميرون ونيجيريا. وأفاد تقرير لمكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان أن عدد النازحين السودانيين داخليًا بلغ مليوني شخص في 2018، بمن فيهم 1,6 مليون في مخيمات ولايات دارفور الخمس، مشيرًا إلى أن حوالي 386 ألف شخص فقط عادوا إلى مناطقهم الأصلية في دارفور منذ 2015. كما أعلن المجلس النرويجي لشئون اللاجئين أن حوالي 50 ألف إنسان تركوا ديارهم في شمال ووسط مالي خلال الشهور الثمانية الأولى من2018 بسبب الاشتباكات العرقية والعمليات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة، مشيرًا إلى تزايد عدد الجماعات المسلحة هناك، وأضاف أن انعدام الأمن في شمال مالي أدى إلى حركة نزوح باتجاه النيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا. وعن أسباب تزايد رغبة الأفارقة في الهجرة وترك بلادهم، أوضح بحث أجرته منظمة أفروباروميتر في 34 دولة إفريقية خلال الفترة من 2016 – 2018 أن واحدًا من كل ثلاثة أفارقة فكَّر في الهجرة وأن الشباب والمتعلمين أكثر من غيرهم رغبةً في ترك أوطانهم. وكان السبب الأساسي لدي 44% منهم هو البحث عن عمل، بينما قال 29% منهم إن هدفهم التخلص من الفقر والضائقة الاقتصادية، وعلَّق القائمون بالبحث على نتائجه بالقول إنه إذا لم تساعد الحكومات الإفريقية في إيجاد مزيد من فرص العمل داخل بلادهم فإنها تخاطر بخسارة بعض من الشباب الأكثر تعليمًا وحماسًا وابتكارًا. وأوضحت إحصائية سابقة لهيئة الصليب الأحمر الدولي عام 2009 أن الأفارقة شكلوا 50% من لاجئي العالم، وفي أكتوبر 2018 أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 600 ألف مهاجر غير شرعي من 41 جنسية مختلفة موجودون في ليبيا وفقًا لما ذكره موقع «بوابة إفريقيا» الإخبارية. وذكرت بعض الإحصائيات أن آلاف الأفارقة لقوا حتفهم خلال محاولتهم الهجرة منذ عام 2000 حتى نهاية 2017، وأن عدد الذين ماتوا في الصحراء الكبرى الإفريقية أكبر من عدد الذين غرقوا في البحر المتوسط قبل أن يصلوا إلى أوروبا. وكان القادة الأفارقة قد أقرَّوا في قمة 2004 خطة لتوفير فرص عمل جديدة وتنمية الريف لإغراء الشباب بالبقاء في بلادهم، ومع ذلك بقي نصف الشباب عاطلين عن العمل، وترتفع نسبتهم في بعض الدول إلى 75%، ويهرب 56% من الكفاءات العلمية المطلوبة لمشروعات التنمية إلى الخارج لعدم توافر الظروف المناسبة لعملهم ورغبةً في تحسين مستوي معيشتهم وأسرهم. لقد بذلت مصر خلال رئاستها الاتحاد الإفريقي على مدار عام كل ما تستطيع من جهد في المؤتمرات والمحافل الدولية لعرض ما تواجهه دول القارة من تحديات تنموية وأمنية ولجذب المساعدات الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية التي تساعد في حلها أو على الأقل تخفيف أعبائها، فهل تبذل الحكومات الإفريقية بقيادة جنوب إفريقيا الرئيس المقبل للاتحاد مزيدًا من الجهود لاستكمال هذا الجهد، ولتنفيذ قرارات قمة اليوم لتخفيف حدة تلك المشكلات؟