حياة الإنسان مثل السيناريو، بين الحين والآخر قد يحمل "ماستر سين" يغير من دفة الأحداث وتتغير معها حياته تماما، قد يتخذ البطل قرارات تستغربها، أو يندهش منها هو نفسه، ولكن تأثيرها العميق يمتد حتى النهاية.. أحمد الرهيفي، الشاب الصعيدي الجدع صاحب الاثنين وعشرين ربيعا لم يجد شيئا ليضيع فيه وقته بعدما انتهى من آخر امتحان، فذهب ليجلس على باخرة في نيل سوهاج: "لأن اسمي يبدأ بحرف الألف جاء دوري مبكرا عن أصدقائي، انتهيت من الامتحان وذهبت للشقة التي أسكن فيها مع مجموعة من طلبة القرية المغتربين، أحضرت شنطتي وذهبت لأشرب شيئا في الباخرة السياحية، كنت أريد قتل الوقت حتى ينتهي زملائي من امتحاناتهم ويلحقون بي لنسافر إلى قريتنا، أمي كانت واحشاني ولو كانوا تأخروا كنت تحركت منفردا" يقول أحمد والذي وسط انشغاله بتصفح الفيسبوك سمع أصواتا وارتباكا كبيرا وسمع من يقول "غريق..غريق".. الرهيفي طالب في كلية التربية الرياضية قسم سباحة، لو سألته عن أحلامه فلن يستطيع ذكر الكثير، يريد التخرج من الجامعة بتقدير مرتفع حتى تفرح أمه، يحلم بالعمل كغواص ولكنه حلم مكلف، فالدورات المؤهلة للحصول على الرخصة التجارية للغوص مكلفة للغاية، "لا استطيع طلبها من أمي وعلشان كده بشتغل علشان أحوش وأقدر أخدهم" يقول أحمد والذي يعمل في الصيف كمدرب سباحة وأحيانا كمنقذ في الشواطئ. نعود للمركب السياحي، قبل تحرك أحمد كان قد اتخذ القرار "لو فكرت ممكن أتردد، في كل الأحوال هنط، لو ماكنتش نزلت أنا كنت هتعب نفسيا، لأني قادر أنقذها، لو حاجة أقدر أعملها وماعملتهاش بتعب نفسيا، يقول أحمد والذي لاحظ المسافة الكبيرة من سطح المركب حتى سطح المياه" وصلت هناك لقيت واحدة في المياه، حددت المكان، ما كملتش البصة علشان ماحسبش المسافة وعامل الخوف يدخل فيه، المسافة حوالي 9 أمتار، قلت هنط وزي ما تيجي تيجي، خلعت حذائي وقفزت على مسافة حوالي 10 أمتار من الفتاة الموجودة في الماء، سبحت لها وحاولت تهدئتها" يقول أحمد والذي فوجئ وقتها بما لم يكن يضعه في الحسبان، حيث طلبت منه الفتاة الابتعاد عنها وصرخت في وجهه، حاول أحمد في البداية مراعاة كونها فتاة والإمساك بها برفق ولكنها ضربته بقسوة، يقول أحمد: حاولت أمسكها زقتلي ايدي، ماكنتش مسكتها المسكة الصح علشان هي بنت ومايصحش، فمنفعتش معاها لأنها فلتت مني فبعدت عنها ودخلت مسكتها المسكة الصح وفضلت ألف بيها في المياه وحاولت أهديها مارضيتش فقرصتها في عصب بجوار كتفها وده إجراء للإنقاذ بيدي كهرباء في الجسم فترتخي الأعصاب وماتقدرش تقاومني، لو ولد كنت ضربته علشان يغمى عليه".. يكمل أحمد ما حدث قائلا: "ساعتها أعصابها ارتخت وهي كانت منهارة بتبكي، فسحبتها وعومت بيها لغاية المراكب الصغيرة فلقيت الناس نزلوا وأول ما نزلوا وصلتها لمركب من الصيادين، وطلبت من واحد يسحبني من المياه، يا دوب طلعت اترميت على المركب وفضلت أبكي بكاء هيستيريا". لم يفكر أحمد فيما فعله ولكنه استوعبه دفعة واحدة بمجرد خروجه من الماء، بعدما أفاق من بكائه دخل المركب ليرتدي ملابس جافة، كانت الشرطة قد حضرت وتجمعت الأهالي لتشيد به، بعدها حضر أصدقاؤه والذين اصطحبوه ليعود معهم إلى قريتهم.. يحكي الرهيفي عما قالته له والدته بمجرد رؤيته: "يا ولدي انا مليش غيرك لو مت هيحصلي ايه؟" يقول الرهيفي إنها بعد ذلك قالت له إنها "فرحانة به" ولكنها فقط كانت خائفة لأنه ابنها الوحيد ومالهاش غيره. الغريب أن أحمد يعمل كمدرب سباحة ومنقذ شواطئ، فلماذا الخوف؟ يقول احمد: أنقذ كثيرين ولكن في حمام السباحة مثلا المساحة محدودة، في البحر أذهب للشخص بقارب وتكون معي معدات إنقاذ، حتى لو لم أستطع إنقاذه سيأتي من ينقذنا نحن الاثنين، الوضع مختلف تماما في مياه النيل العذبة والتي لم أسبح فيها مطلقا من قبل. أيضا مما صعب من المهمة رفض الفتاة لإنقاذها، الكاميرات وضحت أنها من قفزت بإرادتها، لم تكن تريد الخروج، ولذلك قاومت وصرخت، لم تكن تتخيل أن هناك من سيلحقها، ولكن قدرها وضع الرهيفي في المكان المناسب.. يقول الرهيفي: "كنت أتوقع أن يتصل بي أهلها ولكن لم يتصل بي أحد، وماعنديش فضول أعرف هي مين، خلاص راحت لحال سبيلها" لكن من ناحية أخرى حياة الرهيفي تغيرت بشكل لم يكن يتوقعه، يقول: بعد نشر القصة على الفيسبوك فوجئت إنها انتشرت جدا، تناقلها كثير من الناس، حتى اني شعرت أنني أصبحت مشهورا، هناك من يطلبون التقاط صورة معي، وهناك من يقف ليسلم علي في الشارع، حياتي تغيرت تماما. ولأن حلم الرهيفي الغوص اتصل به القبطان محسن الجوهري ليخبره أنه سيعطيه أولى دورات الغوص مجانا تقديرا منه لشجاعته، يقول أحمد:"الطريق لسه طويل ومكلف ولكن أول كورس سيعطيني رخصة غوص بنجمتين، كتر خيره، وإن شاء الله أتخرج السنة دي وأشتغل واقدر أحوش ثمن باقي الكورسات، الطريق لسه طويل ومكلف، لكني هحقق حلمي في النهاية". نقلا عن مجلة الشباب أحمد الرهيفي أحمد الرهيفي