ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    قدّاس جنائزي في البصرة على شهداء كنيسة مار إلياس – سوريا    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    كم يسجل عيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    رسميا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    حسام بدراوي: أرفع القبعة لوزير المالية على شجاعته.. المنظومة تعاني من بيروقراطية مرعبة    اقتراب الأسهم الأمريكية من أعلى مستوياتها وتراجع أسعار النفط    الشاعر: 1410 منشأة سياحية غير مرخصة.. ولجنة مشتركة لمواجهة الكيانات غير الشرعية    «المصدر» تنشر نتيجة انتخابات مجلس إدارة البورصة المصرية 2025-2029    وزير الخارجية الإيراني: برنامج النووي مستمر    بايرن ميونخ يواجه فلامنجو البرازيلي فى دور ال16 بكأس العالم للأندية    البنتاجون: إيران ما زالت تتمتع بقدرات تكتيكية ملموسة    بوتين ولوكاشينكو يبحثان هاتفيا الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط    وصفها ترامب ب«أغبى أعضاء الكونجرس».. نائبة ديمقراطية: «لا تصب غضبك علي.. أنا فتاة حمقاء»    زيلينسكي: روسيا استخدمت أكثر من 28 ألف مسيرة شاهد الإيرانية منذ بداية الحرب    بنفيكا ينتصر على بايرن ميونخ ويتأهل لدور ال16 متصدرًا للمجموعة في كأس العالم للأندية    طارق سليمان: الأهلي عانى من نرجسية بعض اللاعبين بالمونديال    أحمد حمودة: أرقام بن رمضان «غير جيدة».. وعبدالقادر أفضل من تريزيجيه وبن شرقي    «سيكون فريق مرعب».. سيد معوض يكشف احتياجات الأهلي    الزمالك يضع الرتوش الأخيرة على صفقة نجم الأهلي السابق (تفاصيل)    ميسي يعلق على تأهل فريقه للدور الثاني من مونديال الأندية    ستيف نيكول: فريمبونج قد يُعيق تحركات صلاح في ليفربول    ميل عقار من 9 طوابق في المنتزة بالإسكندرية.. وتحرك عاجل من الحي    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية القليوبية 2025 الترم الثاني pdf.. رسميًا الآن    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق سيارة بطامية في الفيوم    كان بيعوم.. مصرع طالب ثانوي غرقا بنهر النيل في حلوان    أب ينهي حياة ابنه وابنته في قويسنا بالمنوفية.. والأمن يكثف جهوده لكشف غموض الواقعة    حفل غنائي ناجح للنجم تامر عاشور فى مهرجان موازين بالمغرب    فرصة مثالية لاتخاذ قرارات حاسمة.. توقعات برج الحمل اليوم 25 يونيو    التسرع سيأتي بنتائج عكسية.. برج الجدي اليوم 25 يونيو    معطيات جديدة تحتاج التحليل.. حظ برج القوس اليوم 25 يونيو    زوج ضحية حادث الدهس بحديقة التجمع عبر تليفزيون اليوم السابع: بنتي مش بتتكلم من الخضة وعايز حق عيالي    سفارتنا في بوليفيا تشارك في عدد من المعارض للترويج للمتحف المصري الكبير    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    الأرصاد تكشف حالة الطقس فى القاهرة والمحافظات وتُحذر من انخفاض الرؤية : «ترقبوا الطرق»    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى حلوان دون إصابات    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. نتنياهو: إذا حاولت إيران إعادة بناء النووى فسندمره.. المخابرات الأمريكية: الهجمات على إيران لم تدمر المواقع النووية.. الهباش: لا استقرار فى الشرق الأوسط دون فلسطين    جوتيريش يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل    عندما صعد ميسي ليدق أجراس ميلاده ال38.. من أحدب نوتردام إلى أسطورة الكرة    أسوار المصالح والمنشآت الحكومية بكفر الشيخ تتحول للوحات فنية على يد طالبات تربية نوعية (صور)    البابا تواضروس في اتصال هاتفي لبطريرك أنطاكية: نصلي من أجل ضحايا الهجوم على كنيسة سوريا    «يعقوب» و«أبوالسعد» و«المراغي» يقتنصون مقاعد الأوراق المالية بانتخابات البورصة    مينا مسعود يفاجئ الجمهور فى سينمات القاهرة للترويج لفيلمه "في عز الضهر"    رسالة أم لابنها فى الحرب    "إسرائيل وإيران أرادتا وقف الحرب بنفس القدر".. أخر تصريحات ترامب (فيديو)    ما سبب تسمية التقويم الهجري بهذا الاسم؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: الإشباع العاطفي حق أصيل للزوجة.. والحياة الزوجية لا تُبنى على الأمور المادية فقط    سعي وبركة.. فرحة مزارعي كفر الشيخ ببدء موسم زراعة الأرز (صور)    حسام بدراوي: الانتخابات كانت تُزور في عهد الرئيس الأسبق مبارك    وزير الصحة يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون في القطاع الصحي    المنوفية تجهز مذكرة لبحث تحويل أشمون العام إلى مستشفى أطفال تخصصي وتأمين صحي شامل    عملية نادرة تنقذ مريضة من كيس مائي بالمخ بمستشفى 15 مايو التخصصى    بالعلم الفلسطيني وصوت العروبة.. صابر الرباعي يبعث برسالة فنية من تونس    الإدارة العامة للمرور: ضبط (56) ألف مخالفة خلال 24 ساعة    غدا ميلاد هلال شهر المحرم والخميس بداية العام الهجري الجديد 1447 فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شفرة مورس.. نهاية قصة حب
نشر في بوابة الأهرام يوم 30 - 09 - 2019


زينب عبد الرزّاق
لم ير زوجته قبل موتها لوصول رجل البريد متأخرًا.. حيث جاءه رجل بريد من راكبي الخيول برسالة من أبيه من سطر واحد نصها "زوجتك العزيزة في مرحلة نقاهة"، فغادر الرجل واشنطن حتى وجد زوجته قد توفيتْ في أثناء رحلته الطويلة..
ضياع حبيبته جعل منه مخترعًا كبيرًا، إنه الأمريكي (صمويل موريس) أول من اخترع نموذجًا عمليًا للتلغراف سنة 1835، فأحدث ثورة في مجال الاتصالات، تسمى شفرة مورس Morse code.
التلغراف الذي يُعتبر أقدم وسيلة اتصال، الآن في طريقه للتوقف والانقراض.. فمثلا الهند أرسلتْ آخر تلغراف سنة 2013، وفرنسا طوتْ خدمة التلغراف في 30 مارس 2018 طاوية تاريخًا امتد لنحو قرن ونصف القرن من الزمن، أدّتْ فيه هذه الخدمة أدوارًا بالغة الأهمية.
وهنا في مصر التلغراف أيضًا أوشك على الانقراض، ليصبح في طي النسيان، قديمًا كان الناس ينتظرون البرقيات على شوق وبمزيد من الصبر.. وكان وصول التلغراف إلى المنزل يهز أصحابه، تلغرافات التعازي والتهنئة اندثرتْ، وحلّ محلها رسائل الواتساب، وحتى خطابات البريد اقتصر استعمالها على خطابات المحاكم والرسائل البنكية التي يرغب أصحابها في توثيق وصولها واعتمادها من جهة رسمية للعلم بإخطار من وصل لهم الخطابات، وقد عرف اسم التلغراف من اللغة اليونانية والتي تعني "الكتابة عن بعد"، وقد دخل التلغراف إلى مصر عام 1854 في عصر محمد علي.
في سنوات العمر الأولى كنتُ أحب الجلوس بجوار نافذة القطار لأرى الحقول الخضراء، وأرى أيضًا الأعمدة الخشبية الصامتة المتصلة بالأسلاك، ولا أدري لماذا كنتُ أحاول عدها!! كأنني أبحث عن المستحيل..عرفتُ بعد ذلك أنّ هذه الأعمدة المتصلة بالأسلاك تحمل بلايين الشفرات؛ لتنقل للناس هنا وهناك كلمات سعيدة أو أخبارًا حزينة.
الآن تراجعتْ الخطابات والتلغرافات، وحلّ محلها وسائل الاتصالات الحديثة المتنوعة، وأصبح الإنسان يستطيع الاطلاع على بريده الإلكتروني، بدون لحظات القلق والتوتر، بسبب تأخر وصول التلغراف، فإذا كان التلغراف يستغرق بضعة أيام، أو بضع ساعات، فإنّ الرسالة المرسلة بواسطة الإيميل تصل بعد ثانية واحدة إلى المرسل إليه، وهذا هو الجانب الإيجابي في تكنولوجيا الاتصالات الحديثة.
تنوّعتْ وسائل الاتصال منذ فجر التاريخ.. بداية من استخدام الدخان (كوسيلة أقرب إلى شفرة للتخاطب)، وكذلك قرع الطبول، ثم الكتابة على الأحجار والرسم، ثم استخدام الحمام الزاجل، في نقل الرسائل لما عُرف عنه من غرامه للعودة إلى موطنه، مهما بعدتْ المسافات التي يقطعها.
ثم عرف الإنسان نظام البريد الورقي التقليدي، وأصل الكلمة فارسي، وكان البريد يُنقل بالدواب، وتطور بعد وسائل النقل الحديثة، مثل القطارات والطائرات إلى أنْ وصلنا إلى مرحلة الشبكة العنكبوتية الإلكترونية..
الآن فقدنا ملمس الورق ورائحته الطيبة، وفقدنا الرسائل المكتوبة بالحبر، ولم نعد نعرف ما هي خطوط أحبابنا.. وتوارتْ مشاعرنا خلف وسائل الاتصالات الجديدة..
فهل كانت حياتنا أفضل وأجمل مع الخطابات البريدية وشفرة مورس؟ أم مع التكنولوجيا الحديثة، التي - وإنْ كانت قد اختصرتْ المسافات الزمنية - فإنها في الوقت نفسه باعدتْ بين البشر، بتباعد المسافات الإنسانية؟
علينا ملاحظة ما مرّ بالبشرية من ردود أفعال مع كل اكتشاف عصري حديث، ما بين الترحيب أو السخرية والاستهزاء، مثلما حدث مع بدء انتشار السيارات، مع أول سيارة عام 1886، التي اخترعها (بنز) في ألمانيا، والشيء نفسه مع أول طائرة، إلى مرحلة اختراع (السيارة الطائرة)؛ التي تقلع وتحط على سطح العقار، وذلك للتغلب على ازدحام الطرق بالسيارات العادية.
وكان من بين الساخرين والمستهزئين بالاختراعات الحديثة، الشيوخ المتعصبون، مثلما حدث في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث إنّ سفير الدولة العثمانية في فرنسا (محمد الحلبي) أراد إنشاء مطبعة بإسطنبول فلجأ إلى السلطان وحاشيته ليقنعوا (علماء) الدين بفائدتها، فأمر السلطان شيخ الإسلام أنْ يفتي بأنّ المطبعة نعمة من الله وليست رجسًا من عمل الشيطان كما أفتى (علماء) القرن السابق، فأفتى بجواز إنشاء المطبعة على أنْ تُمنع من طبع القرآن الكريم وكتب التفسير والحديث والفقه والكلام؛ لأنها كتب دينية يخاف عليها من التحريف، مع أنّ التحريف موجود في الكتب الخطية قبل المطبعة.. ولكنها كانت فتوى بالإكراه فلم تخل من غمز في فائدة المطبعة، مع أنه مضى على اختراعها في أوروبا ثلاثة قرون، وكانت من أعظم أسباب نهضتها.
وقد جاهد الملك عبدالعزيز آل سعود لإدخال التليفون، ولإنشاء محطة للتلغراف، فقال له رجال الدين (يا طويل العمر لقد غشّكَ من أشار عليك باستعمال التلغراف) فقال لهم (لم يغشنا أحد.. وليس هناك دليل أو سُنة)، ولكنهم قطعوا الأسلاك الموصلة إلى قصره! لأنّ هذا منكر يجب إزالته شرعًا.. وكذلك كانوا يرون الدراجات! وسموا الدراجة حين رأوها عربة الشيطان أو حصان إبليس! وقالوا إنها تسير بقوة السحر وعمل الشيطان! وأنكروا الساعة الدقاقة؛ لأنها من عمل الشيطان أيضًا! وكسروا أول ساعة وصلت إليهم - وبحسب رأيهم - أهل الحضر ضالون، وأنّ غزو المجاورين واجب بأمر من الله، وأنّ الملك عبدالعزيز يُوالي الكفار؛ لأنه أرسل ولده سعود إلى مصر، واستخدم السيارات والتلغراف إلخ.. وأصدروا فتوى بهدم مسجد حمزة، ورضخ الملك لهم، فوافق على هدم المسجد، وإلى تعطيل التلغراف.. واعترضوا على تدريس الرسم واللغة الأجنبية والجغرافيا لأنها تُقرّر كروية الأرض ودورانها (عبدالمتعال الصعيدى – الأزهرى المستنير في كتابه «المجدّدون في الإسلام عبر أربعة عشر قرنًا» هيئة قصور الثقافة).
على الجانب الآخر وفى نظرة تأملية شديدة العذوبة، توقف الأديب الكبير يوسف إدريس أمام أسلاك التلغراف وأسلاك التليفون، فكتب قصة قصيرة جدًا بعنوان (العصفور والسلك) المنتمية إلى المجموعة القصصية "بيت من لحم": تخيّل فيها العصفور الذي اختار أعلى مكان ليقف عليه، فوقف بين عمودين من سلك التليفون.. رفرف بجناحيه وانتشى عندما جاءت وليفته، تشبث الاثنان بمخالبهما البريئة.. وكل منهما يحلق في ملكوته الخاص، ولا يدريان أنهما يقفان على سلك تليفون.. فهذا السلك الصدئ، الرديء القديم، غير القوي، يحمل في شحناته وومضاته الإلكترونية قرارات مصيرية تتعلق بحياة الإنسان وحرياته، تتعلق بالحب والكره، الحرب والسلم وبكل الصفات البشرية، تتعلق بكل المتناقضات، التي تحمل نفس الشحنات داخل السلك...
يحمل في هذه اللحظة بالذات، وفى نفس الوقت، سبع مكالمات معًا، لا شيء في الظاهر يحدث، في الداخل تدور عوالم وأكوان، سلامات، احتجاجات، تحيات، صفقات، وداعات، استغاثات، أرض تباع، بلاد تباع، أصوات غلاظ، صوصوات رقيقات، تختلط الكلمات، تتمازج، تتوحد...
كل هذا الذي يدور داخل السلك من تغيير في مصائر الشعوب وحيواتها، والصفقات التي تبرم وتلغى، والحروب التي تدار، لا يعني العصفور في شيء، فهذا الفعل الإنساني الذي يحمل القرارات والأفعال الإنسانية، ليس إلا مكانًا مريحًا لوقوف العصفور!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.