تسألونى عن أجمل وأقرب المزارات الدينية الإسلامية، إلى قلبى، وكم تمنيت أن أصلى فيها، وأشارك شعبها الفرحة الحقيقة بعيد الأضحى المبارك، وكل الأعياد؟. أجيب على الفور، مسجد " عيد كاه" فى مدينة "كاشغر"، والمسجد " الجامع" بمدينة " خوتيان"، والمسجد الكبير فى مقر معهد "شينجيانغ" للعلوم الإسلامية، بمدينة "أورومتشى". المساجد الثلاثة تقع فى منطقة "شينجيانغ" الويغورية، الصينية، ذاتية الحكم، وقد زرتها أواخر شهر يناير الماضى، ضمن وفد صحفى مصري، للاطلاع- عن قرب- على تجربة الصين الرائدة فى القضاء على الفقر، ودحر الإرهاب والتطرف، وتوفير المناخ الآمن للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لقوميات إسلامية بالصين. مسجد "عيد كاه" هو أحد أكبر المساجد وأقدمها فى الصين، يعود تاريخ تأسيسه، فى قلب مدينة "كاشغر"، إلى عام 1442 من الميلاد، وتبلغ مساحته 2.8 كيلو متر مربع، ويضم 4 أقسام، أكبرها الساحة المهيبة المخصصة لإقامة صلوات الأعياد، إضافة إلى قاعة واسعة يتصدرها منبر الخطيب والمحراب، ثم غرفة تحفيظ وتفسير القرآن الكريم. إمام المسجد، الشيخ محمد، ورث الإمامة عن والده، الذى استشهد فى حادث إرهابى خسيس، عام 2014، وأكد للوفد المصرى الزائر أن شعائر الصلوات الخمس، تقام فى مسجد "عيد كاه" فى أوانها كل يوم، وتمتلئ الساحة بالمصلين فى أيام الجمعة والأعياد ، وتوفر الحكومة الصينية كل السبل الممكنة لرعاية المسجد وتأهيل العاملين وتأمين المصلين، ضمن السياسة العامة بحرية الاعتقاد. الشعور نفسه من المهابة والشموخ والرهبة، تسلل إلى داخلنا ونحن نقف أمام " جامع" مدينة "خوتيان" الكبير، الذى تأسس فى عام 1848م، وتبلغ مساحته 4.3 كيلو متر مربع، ويحظى "الجامع" برعاية الحكومة الصينية، من ناحية الإصلاح والترميم والإنفاق على العامين والعناية بتأمين المصلين، وبالذات، فى أيام الجمعة والأعياد، حيث يتوافد عليه الآلاف من مختلف القوميات الإسلامية. إمام الجامع، الشيخ أبا الحسن، أبلغنا أن كل مواطن صينى فى المنطقة يتمتع بحرية الاعتقاد، وتؤدى الشعائر فى أمان وسلام، وأن أحوال المسلمين من سكان هذه المنطقة تسير بشكل سلس، طالما جرى الالتزام بالدستور والقانون، على عكس ما يثار من دعاية خارجية مناوئة لجمهورية الصين الشعبية. فى المسجد الكبير بمقر معهد "شينجيانغ" للعلوم الإسلامية، بمدينة "أورومتشى"، عاصمة المنطقة الويغورية، ذاتية الحكم، رفض شيخه، عبد الرقيب- بشدة نغمة ربط التطرف بالدين الإسلامى، مؤكدًا أن الحكومة الصينية تحترم حرية الأديان وحرية الاعتقاد والثقافات المتنوعة واحترام القوميات لبعضها البعض، والفصل التام بين الدين والسياسة، والأهم، هو بتر أيادي التطرف والعنف ومقاومة النزعات الانفصالية المأجورة للحفاظ على وحدة الصين وسلامتها. وبمناسبة التطرق إلى النزعات الاستقلالية المأجورة، ومظاهر التطرف والعنف والإرهاب، التى مرت- وتمر- بها منطقة "شينجيانغ" الصينية، فقد تلقيت تعقيبين إضافيين، على رسالة جاءتنى بالبريد الإلكترونى، من القارئ عبد الرشيد كلام، وكلها تنصب على ما ورد فى "الكتاب الأبيض"، الذى أصدره مكتب الإعلام، التابع لمجلس الدولة الصينى، ويوضح أن منطقة "شينجيانغ" ظلت دوما جزءا لا يتجزأ من الأراضى الصينية. يقول الدكتور أحمد الصاوى، أستاذ مساعد متفرغ، كلية الآثار، جامعة القاهرة: تعبير "التركستان" لم يستخدم إلا على أيدى المؤرخين المحدثين، أما فى العصور الوسطى، فكل منطقة كانت تسمى باسمها، سواء المعروف لدى سكانها، أو المعروف لدى جيرانها الأقربين. بالطبع الويغور غير المغول، وأنا قولت إنهم ترك عملوا فى خدمة المغول، كطبقة من "الكتاب" تعرف باسم "البخشي".. الأتراك المحدثون ليسوا من سلالة المغول، مع الاعتراف بالقرابة القريبة، التى تجمعهم، من زاوية التداخل اللغوى والإثني، وهو أمر مألوف لدى القبائل الجوالة فى السهوب الأسيوية. الترك المحدثون يعود بعضهم للقبائل التى حكمت أقاليم مختلفة أغلبها ليست من أراضيهم تحت هيمنة "السلاجقة". فمثلا، الأناضول كانت تحت سيطرة البيزنطيين، حتى أزاحهم منها -تدريجيا- سلاجقة الروم، ومن ولاتهم عثمان الجد الأعلى للأتراك العثمانيين. التعقيب الثانى، وصلنى من سعادة السفير دكتور محمد نعمان جلال، الخبير العربي والدولى، المرموق، فى الشئون الصينية، وإلى أهم ما جاء فى التعقيب: .. للحقيقة، ووفقا لبعض المراجع العالمية، كان هناك إقليم باسم "تركستان الشرقية" فى فترة من الزمن فى العصور الوسطى، وكان يسكن فى هذه المنطقة مسلمون وغير مسلمين من أديان وأجناس عديدة. ثانيا: الويغور غير المغول، والأتراك المحدثون هم من سلالة المغول، الذين حاربوا ودمروا الدولة العباسية، وإن كانت مصر هزمتهم فى عصر المماليك. ثالثا: البحث فى تاريخ الشعوب، يثير ويعزز الفكر والممارسات الاستعمارية وتداخلها، وبينها، ولا يمكن تقييم الماضى فى ضوء تفكير الحاضر، فمصر– على سبيل المثال- فى العصر الفرعونى الأخير، كانت ضعيفة، فحكمها الفرس لفترة، وحكمها الليبيون والنوبيون، وهذا لا يغير من الحقائق التى ارتبطت بتاريخ مصر. حتى إبان الأسرة العشرين، ومن الأسرة ال21 وحتى الأسرة 30 وقعت مصر تحت سيطرة القوى الأجنبية، ومنها الأشوريون واليونان والرومان، وهكذا، عبر التاريخ، الذى يستند لحكمة ودروس ابن خلدون، أبو التاريخ الإسلامى، وأبو علم الاجتماع العالمى الحديث. ما أريد التأكيد عليه، هو أن الدول تصعد وتتدهور، ثم إن الدول الحديثة استقرت حدودها بوجه عام، وهذا ما حدث للصين، منذ أكثر من 200 عام، وتغير أسماء المدن والأقاليم ليس فى الصين، فقط، بل حدث تاريخيا فى شتى دول العالم. رابعا: إن إثارة قضية الويغور، وقلة منهم لديهم النزعة الاستقلالية والدور الإرهابى، ارتبط بالاستعمار الغربى، وانتشاره، والنفوذ الأمريكى، وسعيه لتدمير الصين، أو إضعافها، بإثارة الأقليات. نؤكد أن الحدود للدول تغيرت وألمانيا توحدت، منذ أواخر القرن الثامن عشر، وكذلك إيطاليا وبريطانيا، أما الصين، فقد توحدت منذ عام 221 قبل الميلاد، ومصر توحدت منذ عهد الملك مينا، فى الألفية الرابعة قبل الميلاد، وأمريكا الحالية لم يكن لها وجود قبل قرنين من الزمان.. الخلاصة، التنقيب حول بعض أحداث تاريخية هو عملية عبثية وليست عملية علمية أو سياسية، والقومية الويغورية فى الصين هى واحدة من 56 قومية، أكبرها الهان، وتمثل 92% من الشعب الصينى، والمسلمون أقلية للغاية، تضم قوميات أبرزها "الخوى"، وهم نتاج تزاوج العرب الإيرانيين المسلمين مع صينيات فى العصور الوسطى. نسبة المسلمين فى إقليم شينجيانغ أقل من 50% من السكان، وبقاء الويغور مع الكتلة الصينية أكثر فائدة لهم من الانفصال، الذى لن تسمح به دولة قوية مثل الصين، بالضبط، كما لن تسمح الصين ل تايوان بالانفصال، أو لأية قومية أو طائفة أخرى، فكل هذا من العبث الاستعمارى لتدمير الصين، ولكن التماسك الصينى يفسد هذه المؤامرات. أخيرا، إن مسلمى الويغور فى منطقة شينجيانغ يعيشون فى أمن وأمان وفى بحبوحة معيشية مقارنة بكثير من الدول العربية والإسلامية الممزقة، وحبذا لو المثقفين العرب والمسلمين اهتموا بمصالحهم وأدوارهم بدلا من ترديد الطموحات والأفكار الاستعمارية. [email protected]