بالرغم من مرور سبعة عقود على صدور رواية 1984 لجوروج أورويل، لكنها لا تزال تحظى بمقرؤية لافتة، قد تتجاوز حد تكريسها شرفيًا ضمن قائمة أهم 100 رواية في التاريخ، حيث إن الرواية التي ترجمت إلى أكثر من 60 لغة حية حتى الآن، ما تزال قادرة على إثارة ذهن القارئ ليس فقط حول مضمونها، وإنما –أيضًا- حول ظروف كتابتها ونشرها والسبب في منحها ذلك العنوان المميز. تقول دار النشر الأمريكية التي أصدرت الطبعة الأولى للرواية، إن اختيار اسم 1984"، جاء عن طريق تبديل أورويل للأرقام الأخيرة للسنة التي انتهي فيها من كتابة الرواية وهي عام 1948، متوقعا بذلك مستقبلاً غير بعيد لتلك الأنظمة، وبحسب الإندبندنت فان هذا التفسير قد يكون مقنعا بالفعل، لكنه لم يؤكد قط من قِبل أورويل، خاصة وأن الرواية وصلت في صيغتها النهائية للطبع في 8 يونيو عام 1949 أي قبل سبعة عقود من الآن. فحين بدأ جورج أورويل، واسمه الحقيقي هو إريك آرثر بلير، كتابة الرواية، التي تعد من أهم روايات عصره، كان يعاني من حالة صحية منهكة جدا وكان قد سبقها برواية عظيمة أخري هي "مزرعة الحيوان" التي تعتبر قصة خيالية رمز فيها للاتحاد السوفيتي. البداية كانت حين عانى أورويل من حزن كبير وتدهور في حالته الصحية والنفسية عقب وفاة زوجته إيلين عام 1945 علي نحو غير متوقع نتيجة لعملية استئصال الرحم، لذلك عرض عليه صديقه دايفيد أوستر المحرر بالأوبسرفر، أن يبتعد عن كل ما يحيط به ووفر له مكانا ليستأجره بجزيرة جورا بإسكتلندا. وبحماس انطلق صاحب "مزرعة الحيوان" إلي الجزيرة بأقل قدر ممكن من الأمتعة وبصحبة أخته أفريل وصديقه الروائي بول بوتس، تاركا وراءه عمله كمراجع للكتب ومراسل لعدد من الصحف، وكذلك تاركا ابنه بالتبني ريتشارد مع مربيته ومن ثم عاش أورويل بكوخ مكون من 4 غرف شمال الجزيرة التي تضم 300 ساكن فقط علي متنها، وكان اتصاله الوحيد بالعالم كان عن طريق راديو يعمل بالبطارية، دون كهرباء أو هاتف عمومي أو مكتب بريد، لكن كل هذه الأجواء كانت مثالية للكاتب. وعلي الرغم من أنه اضطر إلى ترك الجزيرة بسبب فصل الشتاء القاسي في عامي 1946 و1947 إلا أنه عاد بعد ذلك إلى الجزيرة بصحبة ابنه، وبجانب استمتاعه بالبحر وقيامه بالزراعة وصيد الحيوانات، قضي معظم وقته في كتابة روايته التي كان يسميها وقتها "آخر رجل في أوروبا". وكان أورويل يهتم بشكل خاص بقضايا الديكتاتورية والتلاعب الجمعي وإساءة استخدام السلطات منذ الحرب الأهلية الأسبانية ويتأمل في إمكانية معالجتها باستخدام اللغة، إلا أنه ذكر أن أفكاره تبلورت بالفعل في مؤتمر طهران عام 1944 الذي شهد فيه جوزيف ستالين وونيستون تشرشل وفرانكلين روزفيلت يشكلون ويقسمون العالم متوقعين هزيمة ألمانيا النازية. وأثناء كتابة أورويل للرواية تعرض لحادث كاد أن يودي بحياته، فقد كان يتجول على متن زورق بخاري علي ساحل جورا بأغسطس 1947 عندما تعرض الزورق للغرق بالكامل بسبب دوامة كوريفريكان الشهيرة، وعلي الرغم من تعثر أورويل بالمياه الثلجية، إلا أنه استطاع السباحة بسلام لكن دون صدمة سببت له مشاكل صحية دائمة برئتيه الضعيفتين بالفعل، وبالرغم من تعبه المتواصل إلا أنه كان يرفض المساعدة حتى انهار بالكامل عقب إنهائه للمسودة الأولى للرواية التي حملت اسم 1984 في 7 نوفمبر وبعدها وافق أورويل علي نقله للمستشفى حيث شُخص بسل ليفي مزمن في الجزء العلوي من كلتا رئتيه، وظل تحت الرعاية حتى يوليو 1948 حيث عاد من بعدها إلى جورا ليكمل عمله في الخريف التالي. قام أورويل بعدها بتعديل كبيرة جدا علي المسودة الأصلية التي كتبها ما اضطره إلى إعادة كتابتها بالكامل بمعدل 4000 كلمة يومية خلال 7 أيام أسبوعيا كما أكدت الإندبندنت في مجهود استنفذ طاقته كثيرا في وقت كان يعاني من الحمي والسعال المتواصل، لكنه بالفعل انتهي من الرواية بشكل كامل في ديسمبر من العام نفسه ثم ترك جورا للمرة الأخيرة ليقيم منذ يناير 1949 في مصحة بكرانهام لتحقق روايته في الصيف من تلك السنة نجاحا كبيرا جدا يتوفي بعده أورويل في يناير 1950.