لم تشهد أروقة ولا كواليس ولا انتخابات نقابة فى مصر أزمات تشبه الزلازل التي تتبعها دائمًا هزات لا تتوقف إلا بإسقاط نقيبها أو إعادة الانتخابات كتلك التى تشهدها نقابة الموسيقيين منذ نشأتها، فلم يمر عام على انتخاب إيمان البحر درويش نقيبًا حتى طفت الأزمات على السطح بقوة، حتى وصلت إلى سحب الثقة منه. ورغم أنها النقابة الأقدم بين النقابات الفنية، إذ يرجع الفضل فى تكوينها لسيدة الغناء العربى أم كلثوم التى اهتدت إلى فكرة جمع الموسيقيين تحت مظلة واحدة بتكوين نقابة لهم يجتمعون فيها، ويبحثون مشاكلهم حتى لا يتناثروا بين الجمعيات الأهلية التى كانت تتكون من مجموعة من الأعضاء فى مجالات عديدة سواء فنية أم غير فنيةإلا أنه لا ينتهى مصير أي نقيب بها بالخلع الهادىء، دون طلاق وفضائح أو برحيل قدرى لمن ينجح فى احتواء الازمات مثلما حدث مع الراحل حسن أبو السعود. أم كلثوم كانت أول من وضع لبنة نقابة للموسيقيين عام 1942 عندما طلبت من أعضاء فرقتها جمع كل الموسيقيين فى مكان واحد وكان ذلك فى 11 نوفمبر، وكما يقول الكاتب الصحفى الشاعر مصطفى الضمرانى عنها إنها كانت تفكر دائما فى الجوانب الإنسانية لأبناء المهنة، وأنها اهتدت لهذه الفكرة أملاً منها فى حل مشاكل الموسيقيين، فأم كلثوم لم تكن بحاجة لا إلى منصب أو شهرة ، فهى سيدة الغناء العربى والمطربة الأولى آنذاك فى العالم العربى، وجمعت كما يقول الضمرانى - فرقتها الموسيقية بقيادة عازف القانون الأول محمد عبده صالح، وأعضاء الفرق الموسيقية الأخرى من المصريين فقط، دون العازفين أو الموسيقيين الأجانب، لكي تصبح النقابة خالصة للمصريين 100%. أسفر الاجتماع بالفعل عن تأليف مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية من أم كلثوم إبراهيم وفتحية أحمد وحياة محمد ورياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي وصالح عبدالحي وفريد الأطرش وعزيز عثمان وإبراهيم حجاج ومحمد عبده صالج وأحمد الحفناوي، وأن يكون كل من عبدالحليم علي والسيد الحملاوي مراقبين ماليين لحسابات النقابة، وفي اليوم نفسه الذي تم فيه انتخاب هذا المجلس. ويبدو أن النقابة قد بنيت على الانقسامات منذ أول لحظة لتأسيسها وستظل على هذا الحال، فبعد تولى أم كلثوم منصب النقيبة بدأ عبد الوهاب فى محاربتها، فكيف لامرأة أن تتولى منصب نقيبة لمهنة هو أستاذها، فتحولت المعركة من شبه سرية إلى كامل العلنية، وأعلنت أم كلثوم تحديها لعبدالوهاب فى الانتخابات، حتى لجأ الاثنان إلى الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين الذى اقترح أن توزع المهام، وهى أن تمنح أم كلثوم لقب النقيب الشرفى بينما يتولى عبدالوهاب منصب النقيب الفعلى إلا أنها رفضت لرغبتها فى تولى منصب النقيب لخدمة النقابة، ورفض عبدالوهاب بشدة ثم عاد مصطفى أمين واقترح أن تتولى أم كلثوم أمانة الصندوق بينما يتولى عبدالوهاب سكرتارية النقابة ولكنه اقتراح لم يأت على هوى أم كلثوم فرفضته. وفازت أم كلثوم فى النهاية بالمنصب لتحتفظ به لسبع دورات متتالية، رغم أن النقابة فى بداية عهدها لم تكن نقابة مستقلة، بل كانت نقابة عمالية تتبع وزارة الشئون الاجتماعية، حتى حارب عبدالوهاب مرة أخرى عام 1955 مثلما حارب فى إنشائها عام 1942 ليحولها إلى نقابة مستقلة لكن هذه المرة نجح فى الاحتفاظ بمقعد النقيب، لكنه استقال بعد أقل من سنة وتولى المنصب من بعده الملحن عبدالحميد عبدالرحمن أحد الضباط الكبار فى الحرس الملكى حتى عام 1958 الذى أصدر فيه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرارا بحل جميع النقابات وإعادة تشكيلها من جديد، إلا أن نقابة الموسيقين لم تعد ضمن العائدين وظلت مجمدة عشرين عامًا. وفي إحدى الجلسات الودية كانت قد جمعت الموسيقار صلاح عرام بالمهندس سيد مرعى عندما كان رئيسا لمجلس الشعب عام 1978 فعرض عليه شكواه بتجميد النقابة دون أن يحرك ساكنها أحد، وعلى الفور أعادها مرعى للحياة فى نفس العام ليتولى منصب النقيب الموسيقار أحمد فؤاد حسن ثم صلاح عرام وحلمى أمين وحسن أبوالسعودالذى شهدت فترته حروبا شديدة من اطراف عدة بسبب التصاريح وكان اخرها تصاريح لروبى بالغناء ثم تصاريح لبعض المطربات اللبنانيات وذهبت بعده رحمه الله الى منير الوسيمى الذى كان اخر الموسيقيين الذين تولوا مناصبها لتنتقل من الوسيمى إلى إيمان البحر درويش الذى سحبت منه الثقة ..وبتولى شئونها مؤقتا الدكتور رضا رجب لتعود مرة أخرى للموسيقيين.