شمس بدران تواجد في منزل عبدالوهاب لمتابعة تلحين أغنية "انت عمري" خطوة بخطوة رحيل عبدالناصر منع أم كلثوم من الغناء في مسرح البولشوي ورثة ملحني أغاني أم كلثوم يحصلون حتي الآن علي أعلي الإيرادات من جمعية المؤلفين والملحنين لا أظن ان مطربة عربية في عصرنا الحاضر شغلت عقلنا الفني مثلما شغلته سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" ولا أظن أيضا ان موسيقيا في عصرنا الحاضر شغل عقلنا الموسيقي مثلما شغله موسيقار الاجيال "محمد عبدالوهاب"؛ حيث يثير جدلا للبعض ويطرح مشكلات لا تحل إذ يمثل وضعا معقدا من التفاسير والشروح والمعادلات.. وهذا يعني وصفا ينطوي علي التضارب والتعارض والتناقض.. وكان الشكل الذي تمثله سيدة الغناء العربي أم كلثوم في تمسكها بالآلات الشرقية في الموسيقي طوال رحلتها في الغناء والشكل الذي يمثله الموسيقار محمد عبدالوهاب في استخدام أحدث آلات التكنولوجيا الحديثة في الآلات الموسيقية تمشيا مع ما حدث في موسيقي الغرب هو ما يمثل التناقض بين الطرفين؛ ولذلك عندما التقيا لأول مرة في أغنية "انت عمري" أطلق علي هذا اللقاء "لقاء السحاب" حيث كانت رغبة السلطة السياسية في ذاك الوقت ان تُحدث لقاء بين النقيضين وذلك لتحقيق المعادلة الصعبة، ليس فقط لمجرد اللقاء وإنما في المزج بين الموسيقي الشرقية الأصيلة بآلاتها المعهودة والتطور الذي حدث في موسيقانا من حيث إدخال الآلات الحديثة وهو ما أثار حفيظة الكثيرين من النقاد الموسيقيين علي هذا اللقاء خاصة ان اللقاء بين أم كلثوم وعبدالوهاب كان مستحيلا الي ان تم ما أطلقوا عليه "لقاء السحاب"، وقد حدث قبل اللقاء بعشرين عاما.. علي الاقل انهم يعلمون لماذا كان اللقاء مستحيلا حيث كانت العلاقة بين عبدالوهاب وام كلثوم في الماضي البعيد يلتقيان ويبتسمان لبعضهما البعض ابتسامة باهتة بينما يتمني الواحد منهما ان يقبض علي زمارة رقبة الآخر حتي لا يتركه يدندن بهذه الزمارة ويستحوذ علي اعجاب الجماهير وكانوا يطلقون علي ام كلثوم لقب "بلبل الشرق" او "كروان الشرق" ولم يكن اسم "كوكب الشرق" الذي عرفناها به قد ظهر بعد. أما موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فكانوا يلقبونه بمطرب القصور والصالونات وبين بلبل الشرق ومطرب الصالونات كانت الحرب الباردة علي أشدها والنار مشتعلة تحت رماد بينهما، الي ان جاءت فكرة انشاء نقابة الموسيقيين عام 1942 لتكون عود الثقاب الذي فجر برميل البارود. فأم كلثوم سعت من جانبها لمنصب نقيب الموسيقيين لأنها كانت تري ان عبدالوهاب لو تولي منصب النقيب سيجعل الناس يعتقدون انه يغني افضل منها وعبدالوهاب يري انه من العيب الا يكون نقيبا للموسيقيين بينما تتولي المنصب آنسة في زمن لم تكن مصر قد غادرت فيه عصر الحريم بعد وكانت المعركة في البداية سرية الي ان انتقلت الي ساحة تياترو حديقة الأزبكية فتحولت الي معركة علنية وتناولا فيها الاتهامات ووصل الأمر الي وقوف ام كلثوم بين أنصارها وفي مواجهة عبدالوهاب وانصاره لتعلن علي الملأ انها تتحداه وقامت الدنيا ولم تقعد وأعلن كل فريق من الانصار التحالف مع احدي القوتين العظميين.. فأنصار عبدالوهاب انتخبوه نقيبا واسرعوا في ابلاغ الصحف بفوزه الساحق وعلم انصار ام كلثوم بما حدث فوجدوها لعبة غيابية وذهبوا لإبلاغ الصحف بفوزها الساحق ايضا واختارت الصحف عدم نشر الخبرين وقررت ذلك حقنا للرماد.. ويصف الكاتب الكبير مصطفي أمين معركة ام كلثوم وعبدالوهاب علي منصب نقيب الموسيقيين سنة 1942 بأنها تحولت الي ملحمة كبري يرويها الناس فيما بينهم وكتب تفاصيل وأسرار هذه المعركة في مجلة الاثنين التي كانت تصدر عن دار الهلال وكان يرأس تحريرها في ذاك الوقت وكتب مقالا يقول فيه: "لولا احتلال الامريكيين شمال افريقيا والهجوم الانجليزي في ليبيا لكانت الخناقة بين ام كلثوم وعبدالوهاب في حادث الاسبوع ولكانت الصحف قد نشرت نبأ عبدالوهاب بما حدث في حديقة الأزبكية بنفس البنط الذي نشر به نبأ هتلر صوب فرنسا.. الي هذا الحد ذهب مصطفي أمين في وصف المعركة بين ام كلثوم وعبدالوهاب حسبها بالحرب العالمية الثانية التي كانت مشتعلة في ذاك الوقت، وكتبت ام كلثوم مقالا بعنوان "لماذا اتحدي عبدالوهاب؟" ونشرته في مجلة الاثنين ايضا، وبعد خمسة أيام نشر عبدالوهاب مقالا يرد فيه علي ام كلثوم في مجلة آخر ساعة التي كان يملكها محمد التابعي قبل ان يبيعها لمصطفي وعلي أمين بعنوان "ضربني وبكي وسبقني واشتكي"، وتكونت لجنة تحكيم في تياترو الأزبكية ضمت كلا من مصطفي أمين وانطوني جميل وعلي أمين وحضرا طرفا الصراع ام كلثوم وعبدالوهاب واحتدت مناقشات اللجنة ساعتين بلا جدوي؛ كل حل تقبله ام كلثوم يرفضه عبدالوهاب وكل ما يقترحه عبدالوهاب ترفضه ام كلثوم.