تقدم "بوابة الأهرام" على مدار أيام شهر رمضان المبارك، تفسيرا ميسرا لبضع آيات من القرآن الكريم. ويتناول الدكتور سعيد عامر الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، اليوم، المعنى في قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ" [البقرة: / 207] الموقف:لسيدنا صهيب بن سنان الرومي, وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله، فأعطاهم ماله. عن سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- قال: أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي - صلى الله عليه وسلم- فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتشل ما في كنانته، ثم قال: يا معشر قريش، قد علمتم أني أرماكم رجلاً، وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقى في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي، قالوا: نعم، فلما قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ربح البيع. وفي رواية: قال له: ربح صهيب، ربح صهيب. مرتين. وقال المفسّرون: أخذ المشركون صهيبا فعذّبوه، فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير، لا يضرّكم أمنكم كنت أمّن من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة، فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى، فقال صهيب: وبيعك، فلا بخس، وما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه هذه الآية. وفي هذه الآية وذلك الموقف ما يشحذ الهمم ويساعد على تشمير سواعد الجد نحو التضحية في سبيل الله بكل غال ونفيس، مع التجرد التام والإخلاص الكامل لله رب العالمين:" قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" {الأنعام162/163}. حتى تصفو النفوس من الأكدار الدنيوية، وترتقي سلم المنافسة الأخروية, فالسابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات هم السابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات وعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك:" ..... وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" {المطففين/26}. ومن ثم يبتعد المجتمع المسلم عن الهموم الدنيوية الوضيعة ويسمو فوق الشهوات والملذات ويقتدي بسيد الخلق – صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام في العبادات والمعاملات وفي كل أمور الحياة . وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم * وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها * وتصغر في عين العظيم العظائم "فما عند الله خير وأبقى"، " وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى "