يوافق اليوم "28 إبريل" ذكرى مولد الفنان الكبير الراحل نور الشريف، وحين تحل هذه الذكرى فإنها تعنى أن هناك فنانا عملاقا ترك إرثا فنيا كبيرا ومسيرة طويلة فى السينما المصرية فلا يمكن أن تجد عاشقا للسينما مثله، فقد أفنى حياته فيها، حتى وهو على فراش المرض في أيام حياته الأخيرة ظل متعلقا بها، فبعد شفائه من الوعكة الصحية قبل الأخيرة أنهى تصوير فيلمه "بتوقيت القاهرة" الذي قدمه مع الفنانة ميرفت أمين وكان آخر أعماله السينمائية. وقد مر نور الشريف أو "محمد جابر" كما هو اسمه الحقيقي بتدرجات مختلفة في حياته السينمائية التي بدأها بأدوار شبابية كدوره في فيلم "قصر الشوق" عن ثلاثية نجيب محفوظ وتنوع بعد ذلك بين الكوميديا، كما في الكل عاوز يحب، ومدرسة المشاغبين وغيرهما ثم خاطبت عقول الشباب بالحب الذي لربما لم يكن متاحاً بشكل أكبر قبل حرب 73، نظراً لأوضاع البلاد حيث قدم أفلاما جمعت بين ثنائيات الحب والرومانسية بينه وبين زوجته الفنانة بوسي كان أشهرها "حبيبي دائماً" والذي يعد واحداً من كلاسيكيات السينما المصرية، وغيرها من الأعمال التي جمعته مع فنانات جيله مثل مرفت أمين، ونجلاء فتحي وغيرهم. وتأتي مرحلة الوعي السينمائي الأهم والأكبر في حياة نور الشريف السينمائية، ببحثه عن قضايا مجتمعية كان للسياسة تأثير فيها بشكل أو بآخر.. واستطاع من خلال توحده مع صديقه المخرج الراحل عاطف الطيب.. تشكيل تيار مضاد لسينما المقاولات التي غزت الوسط الفني إبان حقبة الثمانينات، بل أن طموح الثنائي لم تجعل حدود موهبتهم تتوقف عند "سواق الأتوبيس"؛ بل تخطت حدود القطر وقدما معاً شخصية الرسام الثائر الفلسطيني ناجي العلي. وجاءت المراحل الأخيرة في مشوار الراحل السينمائي بتمسكه بها، واختيار ما يناسبه في سينما الألفية الجديدة بشكل لا يقلل من قيمة ما قدموا من قبل بل يزيد عليه بالكثير، وكان تناغمه مع الشباب واضحاً بمختلف مرحلهم العمرية والفكرية بداية من فيلمه أولى ثانوي والذي خاطب فيه فئات هذا العمر الذي ندر الحديث عنه في فيلم سينمائي مروراً بأفلام مسجون ترانزيت مع أحمد عز، وعمارة يعقوبيان الذي عمل فيه مع الشباب والكبار من جيله، ودم الغزال مع يسرا ومنى زكي، وأخيراً بتوقيت القاهرة الذي شاركه فيه درة، وشريف رمزي. من يقرأ رحلة الشريف في سنوات عمله يجده محباً في تقديم دماء جديدة للمشاهد بشكل متوازن مع دوره بل فبعض الأحيان تكون الوجوه الشابة صاحبت النصيب الأكبر من العمل، بعكس ما قد نشاهده اليوم من أعمال لأجيال جديدة ربما يكتب لها مشاهد العمل كاملاً متجاهلة الأدوار الفرعية، لذلك يظل ذكر نور الشريف حاضرًا على لسان الشباب بقوة لكونه كان بالنسبة لهم الأستاذ..المعلم..الملهم. المميز في رحلة نور الشريف السينمائية هذا التنوع الضخم والثري الذي سار معه وكأنه روحًا تكبر معه كلما زاد عمره عام، فمع كل عام فني في حياته الراحل يتحدث عقله الناضج والواعي عن إختياراته وتطويع طريقة أداؤه التي لا يمكن أن تتشابه في عمل مع آخر. في حوار قديم للراحل نور الشريف نشر في ثمانينات القرن المنصرم، أجراه معه الكاتب جورج دوس في مجلة "السينما والنَّاس"، سجل الراحل في أمريكا إنزعاجه من حال السينما المصرية بالرغم من أن تلك الفترة التي أجري بها الحوار لم تكن السينما في تراجع بالشكل الذي هي عليه الآن، وإن كان هذا يؤكد على عشق الفنان للسينما وشغفه بأحوالها، الأمر الذي دفعه في سنوات تالية لتأسيس استديو وشراء معدات تصوير لدعم الأعمال الفنية بالإضافة لمساعدته في مشروعات طلبة معهد السينما من الدارسين والخريجين. ويقول نور الشريف عن السينما، في حواره المشار إليه: لدينا في مصر الكفاءات العالية لإنتاج عالمي من الناحية الفنية إذ أن الممثلين والمخرجين والفنيين على مستوى عال ولكن الذي ينقص مصر الأجهزة والإستديوهات ذات الاستعدادات التي تتكلف كثيرًا، أما الناحية الإقتصادية فطبعًا سوق الأفلام المصرية ينحصر على الدول العربية وهذا يُحد من توزيعه على نطاق عالمي. ويستكمل في رده على تساؤل نحو وجود تمويل عربي في بناء إستديو كبير مزوّد بأجهزة ومعدات يمكنها أن تخرج الآفلام العالمية، ويجيب قائلًا: كان هناك مستثمر عربي حاول استثمار أمواله في بناء إستديو جديد حديث في مصر لكن للأسف جهوده كلها باءت بالفشل، ويستكمل والغيظ في عينيه كما يصفه المحاور ردًّا على تساؤله "لماذا؟" ويقول: الروتين الحكومي يقف عندنا في مصر في وجه التقدم السينمائي وقد تعب هذا المستثمر في الحصول على الموافقات المختلفة من الأجهزة الحكومية حتى قرر أن يأخذ أمواله ويستثمرها في بلد آخر. وتمنى نور الشريف في حواره أن تستجيب السلطات المصرية لمطالب السينما والسينمائيين وتحاول أن تنظر إلى السينما بكونها صناعة رئيسية هامة منوهًا أن الذي نحتاج إليه في نصر هو المزيد من الرعاية من الناحية الحكومية للنهوض بالسينما. وفي هذا الحوار أيضًا، أفصح الشريف عن رأيه في رغبته حول العمل في السينما الأمريكية في حال العرض عليه، فقال: "لا أرغب في ذلك لآنني لا أريد أن آضع نفسي تحت تأثير أصحاب رؤوس الأموال في أمريكا إذ انهم يفرضون آرائهم السياسية على الممثل ولا أريدأن أخضع لهم وأرغب في أن أكون متحررا من هذه الضغوط"، تلك الإجابة التي تكشف عن مدى أصالته وإلتحامه مع السينما والثقافة العربية وإعتزازه وتقديره بالعمل فيها وعدم البحث وراء مزيد من الشهرة التي قد يفرح بها بعض النجوم الذين يعملون في السينما العالمية.