بعد أسبوع على تظاهرة تخللتها أعمال عنف في جادة الشانزيليزيه في باريس، عاد محتجو "السترات الصفراء" إلى العاصمة الفرنسية اليوم السبت، وسط مخاوف من تجدد حوادث حرق المتاريس والتخريب، التي وصفها الرئيس إيمانويل ماكرون بأنّها "مشاهد حرب". واندلعت صدامات اليوم، بينما كان مئات المحتجين قد بدأوا التدفق باتجاه قوس النصر، عند مدخل واحدة من أشهر جادات العالم. وقام رجال الشرطة بتفريق الحشد مستخدمين الغاز المسيل للدموع، عندما حاول المتظاهرون اقتحام واحدة من نقاط المراقبة. وكانت الحكومة الفرنسية قد وافقت على إغلاق الجادة أمام السيارات، بينما كلف عناصر الشرطة تفتيش المتظاهرين وفحص بطاقات هويتهم، قبل السماح لهم بالدخول إلى المنطقة لتجنب تكرار أحداث العنف التي وقعت الأسبوع الماضي، مع إجراءات احتياطية لهذا الهدف، إذ وضع البعض عوارض خشبية، على بعض الواجهات. وتواجه إدارة ماكرون موجة من الغضب الشعبي، بدأ أثر زيادة الرسوم على الوقود، لكنها اتسعت لتشمل مطالب تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة، بشكل عام. وسعى ماكرون لإخماد الغضب، واعدا بإجراء محادثات على مدى ثلاثة أشهر، حول الطريقة المثلى لتحويل فرنسا إلى اقتصاد قليل استخدام الكربون، دون معاقبة الفقراء. كما تعهد إبطاء معدل الزيادة في الضرائب على الوقود، إذا ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل سريع للغاية، لكن فقط.. بعد إقرار زيادة الضرائب المقررة في يناير المقبل. لكن التصريحات التي أطلقها خلال الأسبوع الجاري، أثارت غضب المحتجين ولم تقنعهم.. ورد بعضهم بالقول: "هراء" و"كلام فارغ"، واستمروا متمركزين في بعض الطرق والدوارات، وقال العامل يوان ألار (30 عاما): "نريد شيئا عمليا". وتحاول الحكومة، دون جدوى حتى الآن، التحدث مع ممثلين عن حركة "السترات الصفراء" التي سميت كذلك لارتداء المحتجين سترات مضيئة، التي يتوجّب على كل سائق سيارة ارتداؤها إذا ما تعرّض لحادث. ودعا رئيس الوزراء إدوار فيليب ثمانية "ممثلين" للقائه في مكتبه، لكن اثنين فقط حضروا خرج أحدهم بعد إخباره بأنه لا يستطيع أن يدعو كاميرات التليفزيون لبث اللقاء مباشرة للأمة. "نريد استعادة كرامتنا".. عندما سأله الصحافيون عن مطالبه قال جاسون هربرت، أحد المحتجين: "نريد استعادة كرامتنا ونريد أن نكون قادرين على العيش من (رواتب) عملنا، وهو ليس الوضع الآن". وبعد اجتماع دام ساعة مع الممثل الثاني للمحتجين، قال فيليب إنّهما ناقشا بشكل أساسي القدرة الشرائية، وأن بابه سيظل "مفتوحا دائماً" لمزيد من الحوار. وتعد أحدى الصعوبات الرئيسية التي تواجه الحكومة الفرنسية في التحدث إلى المحتجين، هي إحجامهم عن تعيين قيادة لحركتهم. وقد رفضت الحركة، التي تم تنظيمها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بإصرار، الانحياز إلى أي حزب سياسي أو نقابات عمّالية. وتضم "السترات الصفراء"، العديد من المتقاعدين، وتلقى زخما أكبر في المدن والمناطق الريفية الصغيرة، حيث قطع المحتجون الطرق وأقاموا حواجز لإبطاء حركة السير قرب نقاط دفع رسوم الطرقات السريعة، وعند الميادين في مناطق عدة. وحتى الآن، لقي شخصان حتفهما وأصيب المئات في الاحتجاجات، التي تشير استطلاعات الرأي، إلى أنها لاتزال تجتذب دعم اثنين من كل ثلاثة فرنسيين. ووصل الغضب إلى الجزر الفرنسية في ما وراء البحار، خاصة في جزيرة "لا ريونيون" الفرنسية في المحيط الهندي التي تشلها حركة الاحتجاج منذ أسبوعين. واضطرت وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون التنمية والفرانكوفونية أنيك جيراردان، التي أرسلت إلى الجزيرة للتحدث إلى المحتجين، إلى قطع الاجتماعات الجمعة مع المتظاهرين، بعد أن رددوا هتافات استهجان منها: "ماكرون استقل!". وأعلن المرشح السابق للانتخابات الرئاسية اليساري جان لوك ميلانشون، أنه لن يشارك في التظاهرة في الشانزيليزيه السبت، لكنه سيتوجه إلى مرسيليا، ليشارك في مسيرة تضم "نقابات ومتمردين من أجل السكن، وسترات صفراء، وطلابا في المرحلة الثانوية". أما اليميني نيكولا دوبون إينيان، فقد أعلن الجمعة، أنه سيكون مع المحتجين في باريس. وأكد رئيس حزب الجمهوريين (يمين) لوران فوكييه، أنه سيتوجه "للقاء" المتظاهرين في دائرته، بينما طالبت زعيمة اليمين القومي مارين لوبن، بحل الجمعية الوطنية. وتوجه الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند، للقاء المحتجين والإشادة بحصيلة أدائه، ما أثار غضب ماكرون. ومن بوينوس آيرس، سخر الرئيس الفرنسي من: "الذين هم على الأرجح سبب الوضع الذي نعيشه، أكثر مما هي الحكومة التي تولت السلطة قبل 18 شهرا". وحشد اليوم الأول من احتجاج "السترات الصفراء" في 17 نوفمبر الماضي، حوالي 300 ألف شخص في جميع أرجاء البلاد، فيما استمرت احتجاجات متفرقة خلال الأسبوع. والسبت الماضي، أعلنت الحكومة أن 100 ألف شخص فقط شاركوا في الاحتجاجات، ما أعطى انطباعا بأنّ الاحتجاجات تضاءلت، لكن كثيرين أشاروا إلى أن خطاب ماكرون الثلاثاء، ساهم في عودة الاحتجاجات من جديد. ودعا زعماء النقابات العمالية، الذين اجتمعوا مع فيليب الجمعة، إلى وقف رفع الضرائب في يناير، وهو اقتراح بدأ بعض أعضاء البرلمان المؤيدين لماكرون في تأييده. وامتدت الحركة إلى بلجيكا المجاورة، حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب خراطيم المياه، الجمعة، لتفريق محتجين "السترات الصفراء"، الذين كانوا يرشقون الشرطة بالحجارة، وأحرقوا مركبتين للشرطة في وسط العاصمة بروكسل.