قبل ساعات من إعلان جوائز الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائى، والتى وزعت مساء الخميس، تحولت بعض صفحات التواصل الاجتماعى لمن شاهدوا أفلام المهرجان إلى لجان تحكيم، فبدأت الترشيحات.. من سيفوز بأفضل فيلم فى المسابقة الرسمية، وآفاق السينما العربية، وسينما الغد، ولم يجمع جمهور التواصل الاجتماعى على فيلم أجنبى كإجماعه على الفيلم الأورجوي "ليلة الاثنى عشر عاما" للمخرج ألفارو بريخنر، وشاركت فى إنتاجه إسبانيا، الأرجنتين، أوروجواي، وفرنسا، لدرجة أن بعض الترشيحات توافقت مع ما أعلنته لجنة التحكيم الدولية برئاسة المخرج العالمى بيل أوغست، وحتى قبل إعلان النتيجة وفى قاعة الأوبرا؛ حيث الختام كان الجالسون يهمسون باسم الفيلم كأحد أهم إنتاجات هذا العام، وأحد أهم ما عرض فى مسابقات القاهرة السينمائى .. الفيلم ليس مجرد عمل سينمائى عن قصة عادية، بل هو عن قصة أقرب إلى الواقع، فهو مستوحى من حكاية انتهت بأن تولى أحد أبطال القصة رئاسة الأوروجواى فى عام 1973، وهى عن الفترة القاسية التى عاشها شعب هذه الدولة من الحكم الديكتاتوري، وتم التعامل مع ثلاثة من السجناء بطريقة وحشية تقودهم إلى الجنون؛ حيث وضع الثلاثة فى الحجز الانفرادي لمدة اثني عشر عامًا، ومن بينهم "بيبي موخيكا" الذي سيُصبح رئيسًا لأورجواي في وقت لاحق.. إجماع الجمهور على هذا الفيلم الذى حصد ذهبية المهرجان، وجائزة الفيبريسى وهى جائزة اتحاد النقاد، يؤكد أن الجمهور دائمًا على حق فى رؤيته لفن السينما، خاصة جمهور المهرجانات المتذوق لسينما مختلفة عن السينما التجارية، فهو الجمهور الذى قال كلمته أيضا بعد عرض الفيلم المصرى "ورد مسموم" للمخرج أحمد فوزى صالح، خرج الجميع متفقون على أن هناك تحفة سينمائية تستحق أن تمثل مصر فى مهرجانها، فيلم صنع فى بيئة لم يتطرق إليها أحد من قبل. أحد الأحياء الفقيرة المتاخمة للقاهرة، حي المدابغ الذي يعيش كل من فيه مهددين بالإيقاع الذي لا يرحم لماكينات الدباغة، بالمجففات التي تدور مهشمة عظام الحيوانات، وبمخاطر مياه الصرف المسممة في كل مكان.. وعلى هذه الخلفية يقدم المخرج قصته الإنسانية عن الفتاة التى تتمسك بشقيقها فى محاولة لإبقائه فى العمل وعدم الهرب. نجح فوزى صالح فى أن يمسك بخيوط افتقدناها فى الفيلم المصري منذ سنوات، فنقل للمشاهد عالمًا مهمشًا، وحياة كانت من قبل فاكهة للمخرجين لكنهم تركوها وراحوا يبحثون عن سينما تجارية لها مفردات لم تعد مستساغة فى دور العرض، سينما انتهت صلاحيتها، فحقق الفيلم ما تمناه الجمهور من متعة، وحصل على عدد كبير من الجوائز، أفضل فيلم عربى، ولجنة التحكيم الخاصة فى آفاق، وجائزة صندوق الأممالمتحدة. لم تتوقف ترشيحات متابعي مهرجان القاهرة السينمائى عند أفضل فيلم، بل راحوا يختارون أفضل ممثل وبإجماع غير عادى، كانت الحالة المسيطرة هى أن شريف دسوقى بطل فيلم "ليل خارجى" سيكون مفاجأة الختام وبالفعل، تحققت رؤية واختيارات جمهور المهرجان بأن هذا الواعد الذى أمسك بحلمه فقرر أن يحققه من خلال فيلم "ليل خارجى" المعروض بالمسابقة الرسمية للمبدع أحمد عبدالله يحصل على جائزة أفضل ممثل. هذه بعض التوقعات لمشاهدى السينما، التي تؤكد أن الجمهور المتذوق لفن السينما، لديه القدرة على أن يمنح الممثل الموهوب جائزته، وأن يؤكد موهبة المخرج المتميز والفيلم الجيد، حتى وإن خذلته لجان التحكيم، وهو ما لم يحدث فى لجان القاهرة السينمائى أن جاءت جميع الجوائز كما توقعها الكثيرون. انتهت الدورة ال 40 للمهرجان، والتى عرض بها 159 فيلمًا من 59 دولة، وحققت ما تمناه محمد حفظي من محاولة للتغيير، وإضافة برامج مهمة كبرنامج آفاق السينما، والواقع الافتراضى، وبراج كمخرجات عربيات، وفتح آفاق أوسع للجمهور يتذوق ما يحبه من السينما الجيدة.