لم يخطر على بال "بلبل المنصورة" أن تجمعه الصدفة بكوكب الشرق أم كلثوم ليكونا معًا ثنائيا فنيا يهز مشاعر الملايين داخل الوطن العربي وخارجه.. هو العربي الوحيد الذي نال جائزة اليونسكو العالمية ومن بين خمسة علماء موسيقيين عالميين نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة.. إنه الموسيقار رياض السنباطي الذي نحتفي اليوم الجمعة بذكرى ميلاده ال 112. ولأنه رب ضارة نافعة، فقد تسببت إصابة رياض السنباطي بمرض في عينه، أن يخرج من المدرسة، ليعتني به والده بعدما لمس موهبته الفنية فعمد إلى تعليمه المقامات الموسيقية، ورافقه لإحياء الأفراح، فذاع صيته، ولُقب ب "بلبل المنصورة". موهبة رياض السنباطي دفعت والده إلى قرار الانتقال إلى القاهرة في عام 1928 حيث كان يرى أن ابنه يستحق أن يثبت ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقا له قبل نزوحه إلى القاهرة، تقدم رياض السنباطي بطلب لمعهد الموسيقى العربية، ليدرس به فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية في ذلك الوقت، إلا أن أعضاءها أصيبوا بنوع من الذهول، حيث كانت قدراته أكبر من أن يكون طالباً، لذا فقد أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذا لآلة العود والأداء. ومن هنا بدأت شهرته واسمه في البروز في ندوات وحفلات المعهد كعازف بارع. ولم تستمر مدة عمله بالمعهد إلا ثلاث سنوات، قدم استقالته بعدها، حيث كان قد اتخذ قراره بدخول عالم التلحين. ابتسم الحظ لرياض السنباطى عندما التقطته أم كلثوم لنفسها ملحنا وكان قد بدأ يلحن لبعض المطربين، المطربات، وحتى ذلك الوقت لم يكن قد لحن لأم كلثوم غير بضعة ملحنين أهمهم محمد القصبجى وزكريا أحمد وهم من فطاحل الموسيقى، فكان السنباطى أصغرهم سنا، وحققت أول أغنية لحنها لها من كلمات أحمد رامى نجاحا كبير وهى على بلد المحبوب. بدأت علاقة أم كلثوم بالسنباطي منذ الصغر وعمره 13 سنة، وعمرها 17، حيث كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي صديق لوالده المنشد محمد السنباطي. ألف لحن هو مجموع ما تركه الراحل رياض السنباطي من تركة موسيقية كان رصيد أم كلثوم منها أكثر من 282 أغنية وقصيدة منها: "أراك عصى الدمع، ولسه فاكر، وحيرت قلبي معاك، وأقولك إيه عن الشوق، وليلى ونهاري، وطوف وشوف، والأطلال"، إلى جانب "أنشودة الربيع" التي كانت باكورة مشوارهما معا الذي استمر قرابة 40 عاما. كما غنت أم كلثوم أغنيات دينية للسنباطي، منها: «رابعة العدوية، على عيني بكت عيني، عرفت الهوى، يا صحبة الراح، تائب تجري دموعي ندمًا، حديث الروح"، كما لحن لها الكثير من الأغنيات السياسية والوطنية، التي وصل عددها إلى 33 أغنية، أشهرها: "قصيدة النيل، مصر تتحدث عن نفسها، وقف الخلق ينظرون، مصر التي في خاطري، نشيد بغداد، منصورة يا ثورة أحرار، قصة السد، ثوار، راجعين بقوة السلاح، حق بلادك". ويعتبر رياض السنباطي هو الموسيقار الوحيد الذي قدم ألحانًا لمطربين من معظم الدول العربية، ونال أوسمة وجوائز مهمة، منها وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس محمد أنور السادات، وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس. وقد كون السنباطى فى هذه الرحلة مع أم كلثوم وأحمد رامى الذى اقترن اسمه باسمها أيضا، ثالوثا فنيا هز مشاعر الملايين فى العالم العربى. اللحن الأخير على الرغم من أن رياض السنباطي لحن للكثيرين من سلاطين الطرب أمثال منيرة المهدية، فتحية أحمد، صالح عبد الحي، محمد عبد المطلب، عبد الغني السيد، أسمهان، هدى سلطان، فايزة أحمد، سعاد محمد، وردة، نجاة، إلا أن آخر ألحانه كان من نصيب عزيزة جلال والذي قدم لها مجموعة من الأغاني العاطفية ولحن لها آخر عمل فني له "قصيدة الزمزمية، ومن أنا؟". السنباطى مغنيًا على الرغم من براعته في التلحين إلا أن السنباطي بدأ حياته الفنية مطربا، وعرفت عدة ألحان مما لحن السنباطى لنفسه وغناها بصوته منها لحنه الشهير على عودى، لكنه لم يحترف الغناء. وكان السنباطى من المعجبين بألحان سيد درويش والمتأثرين به ، وقد غنى له أحد أدواره بصوته وهو دور أنا هويت وانتهيت، وهذه لفتة مهمة حيث لم يسبق لرياض الغناء من ألحان غيره بعد احترافه التلحين السنباطي ممثلًا من الطريف في مشوار رياض السنباطي الفني أنه خاض تجربة التمثيل في فيلم وحيد أمام الفنانة هدى سلطان، وعلى الرغم من نجاح الفيلم إلا أن السنباطي الذي قدم فيه مجموعة من الأغنيات التي لاقت الاستحسان لدى الجمهور، لم يفكر في تكرار التجربة. من دون إفصاح عن الأسباب إلا أنه قال : "لم أجد نفسي في التمثيل فاللحن هو عالمي". تكريمات خلال مشواره الفني حصل رياض السنباطي على وسام الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964، كما حصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وجائزة المجلس الدولي للموسيقى في باريس عام 1964، وجائزة الريادة الفنية من جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون والموسيقى، والدكتوراه الفخرية لدوره الكبير في الحفاظ على الموسيقى، وجائزة اليونسكو العالمية، وكان الوحيد عن العالم العربي ومن بين خمسة علماء موسيقيين من العالم نالوا هذه الجائزة على فترات متفاوتة. لقطات *الثلاثية المقدسة عام 1972 آخر أغنية لحنها السنباطي لأم كلثوم. *هو صاحب أطول قائمة ألحان لأم كلثوم بين جميع من لحنوا لها. *دخل معهد فؤاد للموسيقى العربية تلميذا فعينوه معلما لآلة العود. المحطة الأخيرة في التاسع من سبتمبر 1981 كان السنباطي على موعد مع ملك الموت، ليطوى صفحة من صفحات الموسيقى العربية التي مازالت خالدة شاهدة على زمن الفن الجميل.