كثيرًا ماتعجز الكلمات عن وصف المشاعر عندما تتعلق بشخص يتمتع بمكانة كبيرة في القلب والعقل، وأثر رائع من فكر راقٍ. مرت الأيام سريعًا وها هو يحل الأول من نوفمبر، الذكرى السادسة لرحيل والدي وأستاذي الكاتب الصحفي الكبير بالأهرام الأستاذ علي عياد، الذي سطر بقلمه الصادق العديد من المقالات في حب الله ورسوله، ووطننا الغالي مصر. تداعبني كثير من الذكريات، فقد كان - رحمه الله - واسعًا في علمه، امتلك مكتبة كبيرة ضمت خبرات البشر، لكن حفظه كتاب الله الكريم، ومتابعته الدقيقة لسيرة الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، انعكس عليه بالثقافة المستنيرة، ومعرفة الإسلام في جوهره، وهو ما حث عليه كثيرًا في كتاباته، ونفس هينة طيبة التعامل، تبتغي التسامح فضيلة، والتفاؤل منهجًا. كان رحمة الله عليه، حريصًا في كتاباته على ربط الدين بمختلف مناحي الحياة، والحديث عن قضاياه المثارة، ومن بينها تنقية التراث الإسلامي، الذي دعا لتجديده في مقال نشر بصفحة كتاب الأهرام بجريدة الأهرام بتاريخ (31 مارس 2010) تحت عنوان "تنقية تراث الإسلام.. مهمة عاجلة للإمام الأكبر". وفي السطور التالية نعرض مقتطفات مما ورد به: "ودعنا إمامنا الجليل د. محمد سيد طنطاوي واستقبلنا إمامنا الجديد د. أحمد الطيب شيخًا للأزهر.. وفي الوداع والاستقبال نقدم هذه السطور دعوة قديمة جديدة لتبني قضية كانت بدورها دائمًا مطلبًا ملحًا، هي تنقية تراث الإسلام مما علق به من بعض شوائب صنعها أراذل من البشر؛ حقدًا من عند أنفسهم، أو جهلًا بجوهر الإسلام وحقيقة تعاليمه، التي لا تصطدم بالعلم والعقل، ولا تقف في خصومة مع أي منهما..! في البداية.. القرآن الكريم تكفل الله بحفظه على مر الأيام والعصور؛ يقول الله تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".. أما السنة النبوية الشريفة فهي ما أُثر عن النبي "صلي الله عليه وسلم"، من قول أو فعل.. وتعتبر المصدر الثاني للتشريع، وحجة على المسلمين.. ويؤكد لنا ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها قوله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا". وقد حذر النبي "صلي الله عليه وسلم"، من نوع من الناس لا يضع سنته الشريفة في مكانها الطبيعي؛ كمصدر ثان للتشريع، فيقول: "يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكة يحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه.. ألا إن ما حرم رسول الله كما حرم الله"، ومن المأثور عن النبي "صلى الله عليه وسلم": "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد". والسنة التي أمر النبي "صلى الله عليه وسلم" باتباعها هي السنة الصحيحة التي لا تجافي القرآن الكريم، ولا تتناقض مع العقل والمنطق والعرف، المبني على الأخلاق الكريمة، وأسس وأركان الإسلام.. أما غير ذلك مما يناقض تعاليم الشرع، ولا يتفق مع الفطرة السليمة، فهو دخيل على الإسلام. وفي ختام المقال أكد الكاتب الأستاذ علي عياد "أن هذه القضية لا تزال تلقي بظلالها في سماء التراث الإسلامي، وهي قضية لا تكفي فيها المبارزات العلمية هنا وهناك؛ لأنها ضخمة، وتحتاج إلي جهد مؤسسات بمفكريها وأجهزتها المختلفة؛ ولأن الأزهر الشريف هو المؤسسة الأم التي ترعى الدين، وترسي قيمه الصحيحة، فإن أمر تنقية التراث هو أبرز مهامه". ووجه الأستاذ علي عياد دعوة لفضيلة شيخ الأزهر قائلاً: "على إمامه الأكبر أن يضطلع بهذه المهمة الجليلة والخطيرة.. تلك رسالته وهذا دوره.. وهو مسئول أمام الله والأمة؛ للبدء في هذا العمل، أو للبناء على ما تم من جهود سبقت". ستظل والدي حاضرًا بطيب كلماتك وسيرتك، أنعم الله عليك بفيض رحمته وغفرانه، والنعيم المقيم كما تمنيته من الله في أيامك الأخيرة.