دائما ما يقدم لنا التاريخ صورا عدة لانتصار السجين على جلاده، لتكون الفتاة العراقية الإيزيدية، نادية مراد، هي من تصفع وجوه سجانيها، بسلاح الفكر دون أثر للعنف أو إراقة للدماء، بعد حصولها اليوم على جائزة نوبل للسلام، أبرز هذه الأمثلة. في صيف 2014، بدأت قصة الفتاة الإيزيدية نادية مراد، منذ أن اجتاح تجار الدماء من الدواعش، قريتها الهادئة "كوجو" على سفح "جبل سنجار"، الذي يفصل بين الحدود السورية العراقية في خطوة توسعية لرقعة دولتهم الدموية.
كانت نادية، آنذاك لم تكمل عامها العشرين، وتحلم بدراسة التاريخ أو طب التجميل، دون أن تدرك أن الأقدار ستفرض عليها الأمرّين معًا، مقاومة من يريدون ضياع الهوية، وطمس تاريخ المنطقة، ومحاولة تجميل تلك الندوب والتشوهات الجسدية والنفسية التي لحقت بها، وبآلاف مثلها جراء ما عايشوه من عنف الدواعش، وممارستهم التي تمزج بين القتل والنهب والاغتصاب.
أمام أعينها، شهدت نادية، مقتل أبيها وستة من أخوتها على يد الدواعش، قبل أن تسوقها أيديهم الدامية إلى أسواق النخاسة كي تباع جارية مثل المئات من الفتيات الإيزيديات، لتتعرض للاغتصاب من قبل عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وتحاول الفرار من هذا الجحيم عدة مرات، وفى كل مرة كانت تتعرض للتنكيل والاغتصاب، إلى أن تمكنت من الهروب، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ألمانيا.
بعد أشهر من نجاحها في الوصول إلى ألمانيا، قررت أسيرة الدواعش السابقة، نادية مراد، أن تصفع جلاديها عبر التحدث عن محنتها ومحنة آلاف السيدات اللاتي تعرضن للتعذيب والاستعباد من قبل التنظيم المتطرف، فتوجهت إلى مجلس الأمن الدولي، وتحدثت عن تلك المعاناة التي بدأت بأسرهن في جبل سنجار، وصولا إلى عاصمة التنظيم المتشدد في الموصل، واستعرضت تلك المواقف التي مارسها الدواعش، والتي ترقى إلى مستوى التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
أصبحت الفتاة الإيزيدية، بعد ذلك الخطاب أمام مجلس الأمن الدولي، سفيرة الأممالمتحدة للنوايا الحسنة، وأرسلت عدة طلبات لعدد من الرؤساء والقادة حول العالم لمقابلتهم والتحدث معهم عن قضيتها، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أوائل الذين التقوا بنادية، وأبدى دعمه لها ولقضايا الدفاع عن المرأة، إزاء تلك التنظيمات الإرهابية.
وفى بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، آنذاك، رحب الرئيس السيسي، بالمواطنة العراقية، وأكد إدانة مصر القاطعة لكافة أشكال وصور الإرهاب والممارسات الآثمة التي يقوم بها تنظيم داعش باِسم الدين الإسلامي، وهو منها براء"، مشددًا على إعلاء الدين الإسلامي لقيم الرحمة والتسامح وقبول الآخر، كما أكد الرئيس، أن مصر ستظل داعمة لجهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.
وأشار الرئيس السيسي، إلى أن الحضارة الإسلامية استوعبت كافة المواطنين من مختلف الديانات والأعراق، وقدرت إسهاماتهم في شتى مناحي الحياة، واعتمدت على النابغين منهم في الإدارة وغيرها لتقدم للبشرية نموذجًا واقعيًا للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والمذاهب والأعراق. فيما أعربت نادية مراد، عن خالص شكرها للقاء الرئيس السيسي، وتقديرها باِسم المواطنين الإيزيديين استجابته لطلبها الالتقاء به، مؤكدة تقديرها لدور مصر الكبير في العالم الإسلامي، وفى مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف. وخلال زيارتها لمصر، التقت نادية مراد، بشيخ الأزهر، د. أحمد الطيب، حيث أكدت تقديرها لدور الأزهر الشريف في نشر تعاليم الإسلام السمحة، ومواقفه في محاربة الأفكار المتطرفة للتنظيمات الإرهابية. حازت نادية مراد، على جائزة أندريه سخاروف لحقوق الإنسان، وحرية التعبير من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وذلك مناصفة مع فتاة إيزيدية أخرى هي لمياء بشار، التي تعرضت للتعذيب والاغتصاب من قبل الدواعش، وحاولت الفرار مرتين من قبضتهم، وفى المرة الثانية تعرضت لانفجار لغم أرضى أدى لتشويه وجهها وفقدان البصر لإحدى عينيها، وقد شاركت لمياء في مؤتمر شباب العالم بمصر عام 2017، وقد كان لكلمتها أثر في الجميع وفى مقدمتهم الرئيس السيسي.
في عام 2017، تعود نادية مراد، بعد ثلاث سنوات من أسرها، لتقف على أطلال قريتها كوجو، بعد تحريرها من الدواعش في الأول من يونيو، فانهمرت دموعها وضجت بالصريخ والعويل عندما قامت بتقليب ما بقي من أغراض وملابس عائلتها عندما خلت الدار من أهلها، ولسان حالها يقول: "لا أنت أنت ولا الديار ديار". واليوم، تفوز الناشطة الإيزيدية العراقية نادية مراد، والطبيب الكونغولي دنيس موكويجي، بجائزة نوبل للسلام لعام 2018، لتثبت أن إرادة سيدة حرة أقوى من تنظيم بربرى ستصبح منطقتنا العربية مقبرة لهؤلاء الإرهابيين.