على مدار 40 عامًا تجري الفلسطينية مها أبو شوشة، وراء شغفها في البحث عن ثوب قريتها التي هجرت منها عائلتها عام 1948. وبدأت أبو شوشة البالغة من العمر (56 عامًا)، وهي سيدة أعمال فلسطينية بارزة من مدينة رام الله بالضفة الغربية، مغامرة البحث عن ثوب قريتها التي تحمل اسم عائلتها في الرملة، في سن 16 عامًا في كافة المدن والقرى الفلسطينية. وطيلة أعوام البحث تعرفت أبو شوشة على قصص كثيرة لنساء فلسطينيات قمن بتطريز الأثواب التقليدية التي ترمز لعدة مدن فلسطينية. وتقول أبوشوشة، إن "عملية البحث عن الثوب استغرقت عدة أعوام ومحاولات فاشلة قبل أن تلتقي مع ثوب أكثر قربًا لما ارتداه أجدادها في قريتها التي لم تعد موجودة بفعل النكبة". وتضيف أبوشوشة التي تفخر بما تقوم به، أن "الثوب الأول الذي اشترته لاعتقادها أنه المطلوب كان عبارة عن لباس بدوي، مشيرة إلى أنها لم يكن لديها الخبرة في حينه للتمييز بين الأثواب". وتتابع "لقد كان ثوبًا جميلاً جدًا يستحق أن يُعرض في المتحف، لكن عندما وصلت إلى المنزل أخبروني أنه فستان بدوي وليس ثوب قريتنا". وتقول أبوشوشة: "سألت كيف يبدو ثوب قريتها التقليدي، وبمساعدة أناس ذوي خبرة أكبر استطعت أن أحصل على معلومات أكثر ووصف تقريبي لثوبنا التقليدي". وتصف رحلة بحثها عن الثوب، بأنها كانت "صعبة جدًا لأنه بعد النكبة عام 1948، فقد الفلسطينيون الكثير من ممتلكاتهم وتطورت طريقة التطريز للملابس التقليدية الفلسطينية". ومن المتعارف عليه، أن الثوب الفلاحي الفلسطيني، مطرز يدويًا وبعدة أشكال وألوان مختلفة، حيث إن كل شكل يمثل مدينة من المدن الفلسطينية. ويعتبر تطريز الثوب الفلاحي حرفة واسعة الانتشار في الأراضي الفلسطينية، لكنها تتطلب جهدًا كبيرًا وصبرًا، بالإضافة إلى الدقة العالية لإنتاج ثوب بمواصفات رائعة ومذهلة. ووفقًا لباحثين في المتحف الإثنوغرافي، في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، فإن الزي التقليدي ما قبل عام 1948 كان مليئًا بالتفاصيل التي تتميز بها كل مدينة فلسطينية، حيث إن كل ثوب تقليدي يحمل الطبيعة الجغرافية وهوية كل منطقة والتي يمكن معرفتها من خلال نوع التطريز والنسيج المستخدم والألوان. ويحيي الفلسطينيون في 15 مايو من كل عام ذكرى النكبة الفلسطينية، التي جرت عام 1948 حيث تم طرد الفلسطينيين ونزحوا وتم تهجيرهم قسرًا، من الأراضي التي سيطرت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي، ووصلت أرقام من تعرضوا لذلك حوالي 957 ألف فلسطيني، أي ما نسبته 66 في المائة من إجمالي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في (فلسطين التاريخية) آنذاك. وتقول أبو شوشة "قبل النكبة كانت الأثواب متميزة ورائعة، حيث يمكن معرفة المنطقة التي يمثلها أو أي عائلة ينتمي إليها الشخص" من ثوبه. وتضيف أنه "بعد النكبة ولعدة أسباب منها فقدان الشعور بالأمن والأمان وفقدان البيت والأرض، وجهت المرأة الفلسطينية اهتماماتها وجهدها في أشياء أكثر أهمية بدل من أن تقوم بشراء خيوط الحرير والتطريز". وتوضح أن "النساء الفلسطينيات بعد النكبة ينسجن فساتين أقل ويركّزن أكثر على القضايا اليومية الأخرى، وقد جعل هذا الأمر الأزياء التقليدية أقل تميزًا، وهو ما اعتبره علماء الاجتماع أحد تأثيرات الحرب على الذاكرة الجماعية". وتروي أبو شوشة قصة حدثت معها قبل 20 عامًا، قائلة: "اشترت ثوبًا من إحدى اللاجئات الفلسطينيات حيث كان مختلفًا عن مقاسها، وهو ما دفع هذه اللاجئة لإعادة حياكته بما يتناسب مع حجمها". وتابعت أن "الثوب كان أقصر من السيدة، لكنها لم تجد حلاً لإيصاله إلا بقطعة مماثلة من نفس القماش ولقلة المال معها قامت باستخدام كيس الطحين المقدم لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين". ويعتبر فن التطريز الفلسطيني، أحد الفنون الأصيلة في تمثيل التراث، الذي مازالت تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل وسط انتشار الملابس العصرية الجاهزة، لكونها تمثل رمزًا من رموز الهوية الفلسطينية قبل كل شيء.