لم تكن قصة كليوباترا وانتحارها بالأفعى، كما يدعي المؤرخون الرومان، أو حية شعار الصيدلة، أو ثعابين الزروع، التي كانت ومازالت دليلاً على اقتراب الحصاد، هي القصص الوحيدة التي ارتبطت عند أذهان المصريين بالثعابين، فهناك الكثير من القصص المرتبطة بالأساطير والخرافة، عن الأفاعي. ليست الزروع فقط التي بها مخاطر الأفاعي السامة، ففي عالم المكتشفات الأثرية، تكون الأفاعي السامة والعقارب أحد أهم المخاطر التي يواجهها الأثري وعمال الحفائر، الذين يكونون في مواجهة المخاطر وجهًا لوجه، لذلك قام البريطاني هوارد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، في الدير البحري بالقرب من معبد الملكة حتشبسوت، باختراع طريقة لصيد الأفاعي، وهي طريقة تعتمد على اللبن. وأوضح الأثري فرنسيس أمين ل"بوابة الأهرام"، أن الطريقة الجديدة التي اعتمد عليها هوارد كارتر، كانت أن يضع دلوًا مملوء باللبن ويتركه في العراء، لافتًا إلى أن الأفاعي كانت تغطس في الجردل المملوء باللبن، ليقوم بصيدها وقتلها بمنتهي السهولة، والتخلص منها، لكي يستطيع أن يباشر أعماله في الحفائر. قال المؤرخون الرومان، إن الملكة كليوباترا، التي توفيت عن عمر ناهز 39 عامًا، في عام 30 قبل الميلاد، انتحرت عن طريق ثعبان سام، وأن الملكة لجأت إلى لدغة مميتة كسبيل للانتحار، والتخلص من حياتها. يقول الدكتور خالد غريب، رئيس قسم الآثار الرومانية والإغريقية بجامعة القاهرة ل"بوابة الأهرام"، إن قصة موت كليوباترا بسم الكوبرا القاتل، ما هو إلا خرافة، ولا يحمل سنداً تاريخياً، لعدة أسباب، منها عدم الاهتداء على قبر كليوباترا، ولعدم وجود جثة لها، لكي نستطيع أن نهتدي بها للحقيقة. ويضيف غريب، أن هناك عدة دراسات أثرية حديثة أثبتت خرافة وكذب ادعاءات المؤرخين الرومانيين في انتحار كليوباترا بسم الكوبرا، مضيفاً أن كليوباترا التي تورطت في صراع مع الإمبراطورية الرومانية، والتي نظر لها المصريين أنها مناضلة، صارت قصة حياتها وموتها جزءا من أسطورة شهيرة، جسدت في أعمال سينمائية وتليفزيونية ومسرحية أيضاً، ضد التشويه الذي لحق بها، من خلال بعض المؤرخين الرومان. تقول الأسطورة الإغريقية، إن "اسكليبيوس" الطبيب، عرف نبتة الحياة من خلال أفعى، حيث كان اسكليبيوس مسافراً، وفي أحد الأيام برز له ثعبان وهو في الفلاة، فمد عصاه إلى الثعبان، ولما التف حولها، رفعه إلى أعلى وضربه على الأرض، فمات الثعبان،،وبينما هو ينظر إليه، إذ خرج ثعبان آخر يحمل في فمه نبتة حتى وضعها في فم الثعبان الميت، وما هي إلا لحظات حتى عادت الحياة إلى الثعبان الأول، فعلم اسكليبيوس بسر هذه النبتة، وأصبح يستخدمها في إحياء الموتى، ومن هنا ظهر شعار الصيدلة، الذي يوضع على معظم الصيدليات والمراكز الطبية في مصر والعالم. ويؤكد غريب، أن في النقوش الفرعونية، ارتدى ملوك مصر القديمة تيجان على مقدمتها ثعبان الكوبرا، حتى يحمي الملك ويدافع عنه ويقيه الشر، مضيفاً أن الأسطورة الفرعونية تشير إلى أن الثعبان يعترض مركب إله الشمس، مضيفاً أن المصري سجل علاقته بالثعبان منقوشا على جدران المقابر، وعلى البرديات أيضاً. وأوضح أستاذ الآثار الإغريقية والرومانية، أن هناك الكثير من الدراسات التي تناولت الأفعى في مصر، مثل دراسة سناء الرشيدي، عن الحيات في مصر القديمة وغيرها، مؤكداً أن المزارعين في مصر القديمة، كانوا يتركون الثعابين في الحقول دون أن يتعرضوا لها، لمساعدتها على هلاك الفئران، كما أنه في خروج الثعابين في فصل الحصاد، تبشير بالخير المتمثل في الحصاد والرخاء، لذا اعتبرت مصدر تفاؤل، بالرغم من كونها مصدر رعب وخوف أيضأ. في العصر الحديث كان الدير البحري قديمًا معروفًا بكثرة الأفاعي، وهذا ما جعل استخدام الحواة والرفاعية، من الطقوس الأولية للسيطرة عليها، ويضيف الأثري فرنسيس أمين، أن الرسامين الأجانب ومصورو الفوتوغرافيا، لم يكتفوا برصد طقوس الحواة الرفاعية مع الأفاعي التي يحملونها ويضعونها بالقرب من المعابد أو الموالد، وهو ما أظهرته آلاف الصور التاريخية المعبرة. كارل فلهام جينتز، الرسام الألماني، رصد طقوس الحواة والرفاعية للسيطرة على الأفاعي في معبد هابو بالأقصرعام 1822م، حيث كان الحواة يقومون بعمل استعراضهم في المعابد، وهو ما رصدته أعمال كارل فلهام جينتر في رسومات في غاية الدقة والروعة، أما في عشرينيات القرن الماضي، فقد ظهر موسى الحاوي في مدينة الأقصر، واستطاع من خلال مواهبه نقل طقوسه الساحرة في السيطرة على الأفاعي إلى الأجانب في الفنادق؛ حيث استطاع موسى أن يحول مهنة الحاوي إلى مهنة تجذب آلاف السائحين، كما يقول فرنسيس أمين، لافتًا إلى أن موسى الحاوي رصدته المجلات الأجنبية والعالمية، واستمر في مهنته حتى ستينيات القرن الماضي، بسبب مواهبه الفريدة في تعاملاته مع الأفاعي والسيطرة عليها، مهما كانت شراستها وقوتها، ومهما كان حجمها. اعترفت أميرات العصر الملكي بمصر، بقوة قدرات موسي الحاوي، حيث قالت الأميرة فوزية "إن كل الحواة دجالون ماعدا موسي الحاوي"، وبوجهه الذي يملؤه شارب كث، وطوله الفارع، استمر موسى الحاوي يجذب الكثيرين من العاشقين لموهبته في السيطرة على الأفاعي ومراقصتها، كان موسى الحاوي لا يقدم عروضه فقط في الموالد وأمام السياح، بل كان منوطا به استخراج الأفاعي الضالة التي كانت تستقر بغير هدى في الأماكن القريبة من الفنادق الناشئة في الأقصر آنذاك، في أوقات الحر الشديد في عشرينيات القرن الماضي. ويؤكد أمين، أن موسى الحاوي بسبب موهبته، ذكر في الكثير من مذكرات الأجانب، ومنها الكاتبة الإيطالية آني فيفانتي، التي كتبت كتابًا عن مصر، بعنوان "أرض كليوباترا"، واستمر في مهنته، حتى كان قدره أن يموت بلدغة أفعى، في مفارقة غريبة لنهاية حياته في معبد الكرنك، لتظل قصته مع الأفعى ماثلة في الأذهان، رغم مرور عشرات السنين عليها. كوبرا كليوباترا البريئة الثعابين في مصر