الزيادة السكانية المطردة، التي تشهدها مصر في السنوات الأخيرة، أضحت أزمة تواجه صانع القرار، لاسيما وأنها تمثل عبئًا إضافيًا في الوقت الذي نعاني فيه محدودية الموارد، وبات ملحًا اتخاذ عدد من البرامج التوعوية لتنظيم النسل بالشكل الذي يعود بالنفع على الأسرة المصرية، وكذلك على الاقتصاد الوطني في مجمله. وبالرغم من انتهاج وزارة الصحة والسكان هذا المبدأ، من خلال إعلاناتها الرائجة في عدد من شاشات التلفاز، خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها المنشودة، فوفقاً لآخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد السكان بلغ نحو 104.2 مليون نسمة، منهم 94.8 مليون في الداخل، و9.4 مليون في الخارج. وبينما يعد التعداد السكاني، الأساس الذي يبنى عليه خطط وسياسات التنمية، ورؤية البعض أن الزيادات المطردة تمثل عبئًا على الاقتصاد والتنمية، فإن نظرة مغايرة طرحها بعض الخبراء في حديثهم ل"بوابة الأهرام"، والذين رأوا ضرورة استثمار هذه الطاقات ودفعها للاستفادة منها في تحقيق التنمية، وبرروا تحليلهم باعتبار عدد من الدول نجحت في تحويل هذه الطاقات إلى ثروة حقيقة رغم محدودية موارد تلك البلدان، فيما رأى آخر أن الأمر يختلف من بلد لآخر. في هذا السياق، يشير الدكتور فريد عبدالعال، الأستاذ بمعهد التخطيط القومي، إلى ضرورة الاستفادة من الثروة البشرية، لاسيما وأن مصر تتمتع بالطاقة الشبابية الهائلة التي تمثل النسبة الأعلى بين فئاتها، وهو ما أضحى ضروريًا لتوجيهها إلي بناء الوطن، في الوقت الذي تتوسع فيه البلاد في المشروعات القومية العملاقة خلال الفترة الحالية والمستقبلية، وكذلك تدشين عدد من المدن مثل مدن "الحلال والإسماعيلية الجديدة ومحور قناة السويس ومنطقة العلمين والضبعة، وعدد من المساكن التي أطلقتها الدولة للخروج من مأزق التكدس السكاني. ولفت عبدالعال، في معرض حديثه ل"بوابة الأهرام"، إلى أننا نعاني أزمة التكتل السكاني على مساحة صغيرة من مساحة مصر تكاد لا تتجاوز نسبة ال 7%، وهو ما يدفع بضرورة الخروج من هذه الدائرة المزدحمة، مطالبًا بضرورة استغلال القوى الشبابية، ولا يتم التعامل معها على أنها عبء علي الدولة واقتصادها. وأشار أستاذ التخطيط بالمعهد القومي، إلى أن زيادة الطموح لدى الشعب والحكومة يساهم في زيادة مستوي الاقتصاد من خلال إنشاء مشروعات جديدة، لافتا، إلي أننا لابد وأن نضع تجربة الصين والهند وغيرهما من الدول التي نهضت باقتصادها من خلال القوي البشرية أمام أعيننا للاستفادة من تلك التجارب. فيما يرى الدكتور أكرم بسطاوي، خبير القوانين الاقتصادية الدولية، أن مصطلح الزيادة السكانية في الوقت الذي تجاوز عدد سكان مصر ال 100مليونًا، لا يعيق إحداث التنمية حتى في ظل عدم وجود موارد إضافية، مشيرًا إلى أنه يجب إعادة النظر في المنظومة البشرية لتطويرها وتنميتها بما يليق بوضع مصر التاريخي والجغرافي والحضاري والمستقبلي. واعتبر بسطاوي، أن الزيادة السكانية هي بمثابة أمن قومي لأي دولة، فهي الحصن المانع والحامي للأرض من أي اعتداء خارجي، لافتًا إلي أنه يجب الاستفادة من تلك القوى البشرية وتوظيفها بالشكل الصحيح، لافتًا إلى أنه يجب الاهتمام بالعلم، لأنه يعد هو المفتاح الحقيقي لإحداث التنمية، فيما يعدو التعليم الفني قاطرة التنمية الحقيقية ثم الزراعة، فعلى سبيل المثال، دولة مثل اليابان تعد من أكبر التعداد السكاني في العالم، ورغم ذلك لم يكن لديها موارد تحت الأرض، وكذلك ألمانيا، لكن لديهم موارد بشرية تم توظيفها بالشكل الصحيح، أما بالنسبة لدول أخرى مثل السعودية وإيران فهي لديها الموارد التي تعتمد عليها مثل البترول. من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي رضا عيسي، أن الزيادة السكانية لها عاملان مهمان، الأول يتمثل في قوى بشرية، والثاني: أنها تقوم ببناء نظام اقتصادي يغطي احتياجات المجتمع، وضرورة ربط التعليم بسوق العمل واحتياجاته، وهذا يتطلب وجود رؤية إستراتيجية مستقبلية. وشدد الخبير الاقتصادي، على أن الأزمة ليست في الثروة البشرية، لكن هناك سوء في الإدارة التي لا تقوم بتوظيفها بشكل صحيح، مطالبًا بضرورة انطلاقة جديدة وحقيقية لإعادة المنظومة التعليمية إلى مسارها الصحيح، مشيرًا إلي أننا لابد من الاستفادة من كافة التجارب التي خاضتها كل من الصين والهند وماليزيا وغيرهما من الدول التي لديها قوي بشرية وانخفاض في الموارد. لكن الدكتور سعيد صادق، الأستاذ بعلم الاجتماع السياسي، يفند الحالة بشكل مغاير، خاصة وأنه يرى أن لكل دولة ظروفها الخاصة بها، ولا يمكن أن نضع تجربة أي دولة أمامنا لنحذوا حذوها، فعلي سبيل المثال، الصين لديها أنهار وجبال وأمطار ولها خصائص خاصة بها لا تتشابه مع مصر، فهم لديهم عمالة تريد أن تعمل، وإدارة قادرة علي اتخاذ القرارات الصعبة، مشيرا إلي أن الحكومة الصينية في وقت من الأوقات منعت زواج القاصرات، والتي بدورها تؤدي إلي التسريب من التعليم، ووضعت شروطًا للحصول علي شهادة محو الأمية من شروط عقد القران، وتم تحديد النسل بشرط طفلين فقط لا غير، وعند الطفل الثالث يرفع الدعم ويغرم الأب ويتم تغليظ العقوبة علي تزوير شهات تسنين الإناث للتمكن من الزواج. وطالب صادق، بضرورة وضع برنامج توعوي للتحذير من مخاطر زواج القاصرات، مشيرًا إلى أن مصر تحتاج إلي شروط وقرارات صارمة مثل هذه القرارات لتتمكن من النهوض.