تتعرض المؤسسات الصحفية القومية الثمانية لأزمات مالية طاحنة تكاد تعصف بها، بعد أن بلغت مديونياتها المتراكمة طبقًا لتصريح رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الأستاذ كرم جبر، نحو 19 مليار جنيه، وبعد أن قررت الدولة أن ترفع يدها تدريجيًا عن دعم تلك الصحف وطالبتها بالتحول إلى منشآت اقتصادية تعتمد على مواردها الذاتية في تمويل مصروفاتها بعيدًا عن الموازنة العامة للدولة التي تعاني من عجز شديد. ووسط البحث عن حلول لإخراج تلك المؤسسات العريقة، والتي تعد أحد مصادر القوة الناعمة للدولة المصرية، ظهر أحد المقترحات لطرح أسهم في البورصة لتوفير التمويل اللازم لتحديث وتطوير تلك المؤسسات، والتي تمتلك مجموعة من الأصول تزيد على 100 مليار جنيه طبقًا للدراسات المبدئية التي أعدتها الهيئة الوطنية للإعلام، بالتعاون مع وزارة التخطيط التي أخذت على عاتقها مسئولية معاونة المؤسسات الصحفية في إيجاد بدائل مناسبة لحل مشكلاتها المالية. الغريب أن هذه الفكرة واجهتها عاصفة من الرفض من بعض أعضاء الجمعيات العمومية، ومجالس إدارات الصحف، بدون إبداء الأسباب، وقبل طرحها للنقاش بين الجماعة الصحفية، وبين المهتمين والخبراء في مجال الإعلام والاقتصاد والتمويل. بداية أنا شخصيًا - باعتباري واحدًا من الجماعة الصحفية وأتشرف بالانتماء إليها على مدى نحو 40 عامًا قضيت معظمها في الصحافة الاقتصادية، وأستعد لنيل درجة الدكتوراة فيها - لا أتفق أو أعارض تلك الفكرة بدون دراسة كل البدائل، واختيار أنسبها لظروف كل مؤسسة أو صحيفة، لأنه كما نعرف لا يوجد حل مثالي لأي مشكلة، ولكن يوجد الحل المناسب لكل مرحلة. بالطبع هناك مخاوف من عملية طرح أسهم؛ لأنها تعني دخول ملاك جدد هم حملة الأسهم، وبالتالي يتخوف البعض وهم محقين في ذلك من سيطرة رأس المال غير الوطني على تلك المؤسسات الصحفية التي تعد صمام الأمان ورمانة الميزان للإعلام المصري والوسيلة الآمنة للتواصل بين المواطن البسيط وبين متخذ القرار في أي موقع ووسيلة للرقابة على الأداء في ظل دولة مثل مصر لاتزال تعاني من مركزية شديدة في صناعة القرار في العاصمة بعيدًا عن أصحاب المشكلة الحقيقيين. وهناك أيضًا مخاوف ومحاذير من دخول مستثمر أجنبي لشراء حصة كبيرة مسيطرة من الأسهم، وهو من المؤكد هدف تحلم به دول كثيرة معادية لمصر من أصحاب الثراء المفاجئ مثل قطر أو من الدول التي تحسد مصر على امتلاكها لصحف بعضها مثل جريدة "الأهرام" يحتفل بمرور 142 عامًا على إنشائها بين دول كثيرة لا يتجاوز عمرها 50 عامًا، ناهيك عن دول مثل إسرائيل، أو حتى دول كبرى لا تتمنى لمصر الاستقرار والتنمية لتظل تابعة لها وتمد إليها اليد لطلب المعونة أو المساعدات. ولكن إذا كانت فكرة طرح أسهم لملاك جدد هي البديل الأنسب فإنه يجب وضع محددات وشروط تحول دون حدوث مثل تلك المخاوف منها: * منع تملك الأجانب ومزدوجي الجنسية من المصريين من تملك تلك الأسهم أو حتى انتقالها لهم بالميراث. * عدم زيادة حصة أي حائز للأسهم عن واحد في المائة من عدد أو قيمة الأسهم. * تكون الأولوية لشراء الأسهم للعاملين بالمؤسسة الصحفية؛ لتكون حافزًا لهم على بذل جهد أكبر في الصحيفة التي يمتلك العامل جزءًا منها، وتحفيزه على تحقيق أرباح مزدوجة بصفته عاملًا ومالكًا في الوقت نفسه، مع تعديل قانون نقابة الصحفيين الذي يمنع تملك الصحف لأعضائها. * استمرار تملك المجلس الأعلى للإعلام لنسبة 51% على الأقل من رأس مال الصحيفة، على اعتبار أن الصحف القومية ملك للشعب ويمثله في الملكية المجلس الأعلى للإعلام، خلفًا لمجلس الشورى في الدستور القديم، ومن قبله الاتحاد الاشتراكي. هذه مجرد أفكار تحتاج إلى عصف ذهني يشارك فيه كل أفراد الشعب، الملاك الحقيقيين للصحافة القومية، وربما يكون هذا أيضًا حلًا؛ للقضاء على نغمة أن الصحافة القومية تسيطر عليها الحكومة والجهات الأمنية، وقد يكون هو الحل الأقرب لإنقاذ المؤسسات الصحفية من الإفلاس أو الموت المفاجئ.