برغم أن تعيينه جاء مفاجأة للجميع إلا أن الوسط الصحفي ساده حالة من التفاؤل بتولي السيد صفوت الشريف رئاسة مجلس الشوري.. وهذا التفاؤل لم يأت من فراغ أو حالة مزاجية غير مبررة ولكنه نتيجة منطقية خارجة من تاريخ وسجل إعلامي حافل شغل فيه الشريف وزارة الاعلام أكثر من 22 عاما. وما حققه صفوت الشريف في الاعلام عبر هذه السنوات الطويلة لا أحد يستطيع أن ينكره أو يهدمه إلا حفنة الصغار التي عادة ما يتم تحريكها بأصابع ملفوفة بالغرضية وتصفية الحسابات والأهواء الشخصية.. ولكن لا يعني هذا أن تغلق باب الرأي الآخر واختلاف الرؤي فهذا مطلوب وهذا أيضا يعطي لأي عمل أو سياسة قوتها مادامت تتم في اطارها الموضوعي. هذه السطور القليلة السابقة مقدمة مهمة للقضية التي اطرحها هنا والتي تحتاج إلي شخصية قوية جريئة مشهود لها بالعمل والانجاز والقدرة علي اتخاذ القرار وهذا ما أراه في صفوت الشريف الذي تولي مسئولية مجلس الشوري ومن ثم أصبح مسئولا عن الصحافة بحكم ملكية المجلس لها. وصفوت الشريف ليس غريبا عن الصحافة الشقيق الأكبر بحكم النشأة للصحافة المرئية "التليفزيون" والصحافة المسموعة "الاذاعة" والتي حقق فيها الشريف انجازات غير مسبوقة ومن ثم فالصحفيون يعولون آمالا كبيرة عليه في علاج أزمة المؤسسات الصحفية التي باتت مهددة بالانهيار الكامل. أزمة المؤسسات الصحفية أصبحت مزمنة وفي حاجة إلي علاج جديد غير تقليدي.. فالمسكنات لم تعد مجدية ولابد من استئصال الأورام التي شوهت جسم الصحافة ككل. ولعل السيد صفوت الشريف يعرف أسباب أزمة الصحافة ومن ثم لا أريد أن أخوض فيها ولكنني سوف أذكر منها أسباب النشأة عندما تم تأميم الصحافة في أول الستينات.. فلقد تركتها الدولة دون أن تضع الأطر الادارية والمالية والفنية السليمة حتي تصبح مؤسسات ذات كيانات اقتصادية قوية وأصبح رئيس كل مؤسسة المهمين علي كل كبيرة وصغيرة دون أية رقابة أو محاسبة. ومن هنا خرجت الأزمة وتضخمت.. فالتعيينات ليست لها أية ضوابط ومن حق رئيس أي مؤسسة أن يعين ما يشاء فامتلأت المؤسسات بصحفيين لا ينتمون إلي المهنة إلا بهوية المؤسسة أو نقابة الصحفيين وهؤلاء أصبحوا مصدر خطر وعرقلة للعمل. وأيضا أصبحت الترقيات تتم بطريقة عشوائية فتساوي الذي يعملون والذين لا يعملون. الأسباب كثيرة كما قلت من قبل ولكن الذي يعنينا هنا الأزمة المالية المتفاقمة للمؤسسات الصحفية.. لا أحد يعرف حجم ديون هذه المؤسسات فليست هناك أية معلومات أو بيانات منشورة حتي ميزانيات هذه المؤسسات لا تنشر في الصحف مثل الكثير من المؤسسات والشركات.. ولكن هناك اجماع أن كل المؤسسات "جنوب" و"شمال" مديونة لدرجة أنه نقل عن أحد مصادر مؤسسة صحفية كبري أن ديونها تخطت المليار جنيه. هذه الأزمة المالية بدأت بالفعل تعصف بالمؤسسات وتضربها في مقتل لدرجة أن بعض المؤسسات لم تعد قادرة علي دفع المرتبات الشهرية للعاملين فيها وأصبح رئيس المؤسسة يعيش مأزق الأجور كل شهر ولا يجد أمامه إلا باب "الشوري" المالك لهذه المؤسسات الصحفية لا تنتمي إلي الصحافة إلا باسمها فاصداراتها الصحفية ضعيفة جدا وتوزيعاتها لا تصل أحيانا للألف نسخة في بلد عدد سكانه أكثر من 65 مليون نسمة. لا أريد أن أطيل وأتحدث عما يجري في الكثير من المؤسسات خوفا من أن أتهم بالمبالغة والتهويل ولكن يهمنا هنا أيضا البحث عن حل أو علاج حاسم للأزمة.. وهذا هو التحدي الأكبر لصفوت الشريف رئيس مجلس الشوري.. المالك لهذه المؤسسات. هناك اقتراحات عديدة لمواجهة الأزمة سوف أطرح بعضها هنا. أولا أن يتم دمج المؤسسات الصغيرة في الكبيرة ومن ثم تتم إعادة الهيكلة في جميع المجالات الصحفية والادارية والفنية وقد حققت هذه الطريقة نجاحا في البنوك والشركات. ثانيا.. أن يتم دعم المؤسسات الصحفية سنويا من باب أن الصحافة تلعب دورا مؤثرا في ثقافة المواطنين أي أنها تقوم بدور من أدوار وزارة الثقافة وفي هذه الحالة يمكن استقطاع جزء من موازنة واعتمادات وزارة الثقافة وتوجيهها إلي المؤسسات الصحفية والصحف الأخري أيضا مثل صحافة الاحزاب والمستقلة باعتبارها مشاركة في الدور التثقيفي وهذا يتم في دول كبري مثل فرنسا. ثالثا: أن تضع الدولة أجور الصحفييين في البند الأول من ميزانياتها ويتم حذفها منها وقد يري البعض أن هذا الاجراء من شأنه أن يفقد استقلالية الصحافة ودون أن نناقش الوضع الحالي للاستقلالية وهل المؤسسات تتمتع بها من عدمه؟! فهذا الاقتراح لا يعيبه شيئا إذا عرفنا أن القضاة يحصلون علي مرتباتهم من الدولة دون أن يفقدوا استقلاليتهم. وقد طرحت هذا الاقتراح علي الاستاذ الكاتب الصحفي الكبير المرحوم أحمد بهاء الدين عندما كان يشارك في احدي ندوات نقابة الصحفيين في عام 1990 وقال لي بالحرف الواحد أنه اقتراح جيد يستحق الدراسة. وهناك اقتراح رابع نشرته في مجلة "الصحفيون" التي كانت تصدرها نقابة الصحفيين في أوائل التسعينيات يتمثل في إنشاء شركة قابضة للصحافة تدخل تحت مظلتها جميع المؤسسات الصحفية الثمانية والشركة القومية للتوزيع وأن يرأس هذه الشركة رئيس مجلس الشوري بحكم ملكيته لهذه المؤسسات وأن يتم اعادة النظر في الشركات التابعة "المؤسسات" حسب الجدوي الاقتصادية ويمكن في هذه الحالة طرح أسهم من الشركة القابضة للاكتتاب العام وذلك لزيادة ودعم المراكز المالية للمؤسسات وأيضا لمشاركة المواطنين في ملكيتها كما أنه من خلال "القابضة" سيكون هناك ضوابط وقواعد للعمل داخل المؤسسات الصحفية وهذا يسهل عمليات الرقابة والاشراف والمحاسبة في نفس الوقت. أعلم أن القضية كبيرة وأزمة المؤسسات الصحفية صعبة ومعقدة ولكنني أعرف أيضا أن صفوت الشريف رجل المهام الصعبة وهو القادر علي مواجهة الأزمة.