الشاعر رفعت سلام، أحد الأسماء البارزة والمؤثرة في الوسط الثقافي المصري والعربي في السنوات الأخيرة، فبجانب أعماله الشعرية التي بدأها عام 1987 بديوانه "وردة الفوضى الجميلة" أسهم في تأسيس مجلة "إضاءة 77" ثم إصدار مجلة "كتابات"، كما رأس تحرير سلسلة آفاق عالمية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة ليقدم سلسلة المائة كتاب التي أصدرت نحو ثلاثين كتابًا من أهم الأعمال الأدبية العالمية قبل أن تتوقف السلسلة عقب استقالته اعتراضًا على تأخر النشر في السلسلة. رفعت سلام الذي قدم عددًا من الدواوين الشعرية، من بينها: "إشراقات رفعت سلام"، "هكذا قلت للهاوية"، إلى النهار الماضي"، "كأنها نهاية الأرض"، وغيرها، قدم نفسه كذلك كمترجم راح ينتقي ترجماته بعناية. "الغجر وأعمال أخرى" للشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، والأعمال الكاملة للشاعرين الفرنسيين شارل بودلير وآرثر رامبو، بالإضافة ل"أوراق العشب" الشاعر الأمريكي والت ويتمان، كانت هي العناوين التي دخل بها سلام مجال الترجمة، ومؤخرًا صدرت له عن الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة جديدة من ترجمته لمختارات بوشكين الشعرية. يقول سلام إن "الغجر وأعمال أخرى" لبوشكين كان هو أول ترجماته، وقد صدر في ثمانينيات القرن الماضي، مشيرًا إلى أنه لم يكن ينوي ترجمة تلك الأعمال؛ "لم يكن غرضي ترجمة تلك الأعمال، إنما قرأتها بغرض التعرف إلى أعمال هذا الشاعر". ويضيف سلام في حوار ل"بوابة الأهرام": قبل تلك الترجمة التي قدمتها لم تكن هناك ترجمة للأعمال الشعرية لبوشكين إلى العربية، كانت هناك ترجمات لأعماله الروائية والمسرحية، ولكن تلك الترجمة كانت هي الأولى لأعماله الشعرية إلى اللغة العربية. تتفق ترجمات سلام إلى العربية في كونها ترجمات لشعراء كانوا من أبرز مؤسسي الحداثة في الشعر في بلدانهم، فكل من بوشكين أو بودلير أو رامبو أو والت ويتمان يعد رائدًا من رواد الحداثة، لا في بلاده فحسب، وإنما كأحد النماذج للحداثة في الشعر العالمي. وعما إذا كان ذلك وفق خطة وضعها لنفسه يقول صاحب "حجر يطفو على الماء": بالطبع كان مقصودًا أن أترجم أعمال رواد الحداثة في الشعر، فأنا أنظر للمسألة من زاوية أن الأعمال الكبرى في الأدب الحديث لا بد أن تكون متاحة للقارئ. ويتفق سلام مع أن هذه الأعمال تمثل ضرورة للأصوات الجديدة المقبلة على كتابة الشعر والمتطلعة للتعرف إلى الحداثة، قائلًا: هذا أحد أهدافي الأساسية، فعندما تكون الأعمال الكبرى الأساسية في شعرية العالم الحديث غير متاحة، عندما يكون هذا الشاعر غير متاح له أشعار بوشكين وأعمال بودلير ورامبو في فرنسا، في فرنسا، وأوراق العشب للأمريكي والت ويتمان على سبيل المثال، فماذا تتوقع أن يكون إنتاج هذا الشاعر؟ كانت هناك محاولات لترجمة بعض من هذه الأعمال قبل ذلك، مثل الترجمة التي قدمها الشاعر الراحل إبراهيم ناجي لديوان "أزهار الشر"، هذه الترجمة التي رغم أهميتها فإن بعض القراء والنقاد يرون فيها بعض المشكلات الفنية، وحول ذلك يقول: بما أنني أعرف عيوب ترجمة الشعر -وأعذر المترجمين السابقين- فقد رأيت أنه بما أنني شاعر ومهتم بالترجمة فسأترجم الشعر لسد هذه الثغرات في الترجمة العربية فيما يتعلق بعدد من الأعمال الشعرية الكبرى. تعد ترجمة الشعر إحدى الإشكاليات التي تشغل كلًا من المترجم والشاعر على حد سواء، فثمة نظريات كثيرة ومتباينة تبناها مترجمو الشعر إلى العربية، غير أن هناك شبه اتفاق على أن هناك صعوبات جمة تواجه مترجم الشعر، تدفع البعض إلى القول بما يشبه استحالة ترجمة الشعر دون أن يفقد قيمته التي يمتلكها في لغته الأصلية. وعن مشكلات ترجمة الشعر إلى العربية يقول سلام: المترجمون عندنا يتعاملون مع ترجمة الشعر بصفتها ترجمة لا تختلف عن الترجمة في المجالات الأخرى. ويوضح: ترجمة الشعر ليست ترجمة عادية، فكونك قدمت ترجمات جيدة في الرواية أو النقد الأدبي لا يعني أن هذا يؤهلك لترجمة الشعر. ويضيف: ترجمة الشعر ترجمة فوق الترجمة، بمعنى أنها لا تقدم سطح النص، هي تقدم ما يتخفى وراء الصورة الشعرية، فهناك العديد من العناصر التي تكون متخفية وراء هذا السطح. مشكلة أخرى يراها سلام لدى مترجمي الشعر إلى العربية وهي "التعجل". يقول: لابد من التأني عند ترجمة الشعر، والاطلاع على حياة الشاعر اطلاعًا جيدًا وكذلك على عصره وظروفه، وهي الأمور التي تساهم في فهم هذا العمل الشعري، فأهم ما يجب أن يتحلى به مترجم الشعر هو الصبر وعدم التعجل. وعن هذا الاختلاف بين الترجمة الشعر وغيرها من الترجمات في تجربته الشخصية يقول: عندما كنت أترجم كتابًا نقديًا كنت ما إن أنهي فصلًا حتى أدفع به إلى المطبعة، وبذلك انتهى الكتاب في ثلاثة أشهر فقط، ولكن ذلك لم يحدث في ترجماتي الشعرية، فقد استغرقت ترجمتي لبودلير 5 سنوات، والفترة نفسها تقريبًا لترجمة رامبو وويتمان. ويضيف: عندما أترجم عملًا شعريًا لا أكون مرتبطًا بتاريخ نشر متفق عليه مع دار نشر حتى يضطرني ذلك إلى التعجل، فأمنح نفسي الوقت للترجمة ثم الاستراحة والعودة لمراجعة هذه الترجمة مرة أخرى. وعن رأيه في الجدل الدائر منذ القدم حول ما يعرف ب"أمانة الترجمة" وما إذا كانت الترجمة المثلى هي الترجمة الحرفية أم الترجمة التي يتدخل فيها المترجم بشكل موسع، يقول: هذه إحدى مشكلات الترجمة إلى العربية، أننا لم نتوصل حتى الآن لتصورات متماسكة بخاصة فيما يتعلق بترجمة الشعر. ويشير سلام إلى إحدى المقالات التى كتبت عن ترجمته لبودلير وهي مقالة الناقدة د.سيزا قاسم كنموذج لرؤيته لترجمة الشعر من هذه الزاوية، مشيرًا إلى أن قاسم وصفته في تلك الترجمة بأنه: " شف النص بمعنى أنه حافظ على تركيبة النص، وباللغة العربية التي يتمكن منها جيدًا". قدم سلام شعراء غربيين إلى اللغة العربية وكان وسيلة لإتاحة أعمال أولئك الشعراء للقارئ بالعربية، فهل يفعل العكس؛ أي أن يترجم أعمال شعراء مصريين إلى لغات أجنبية لتعريف القارئ الأوروبي بهم؟ عن هذا السؤال يجيب قائلًا: لن أفعل، فأنا أترجم من اللغة الفرنسية مثلًا إلى اللغة العربية التي هي لغتي الأم، فاللغة التي أترجم إليها لا بد أن تكون إمكاناتي فيها هي الأعلى، وهو ما يتوفر في اللغة العربية، أما الترجمة للفرنسية فتتطلب مترجمًا تكون اللغة الفرنسية هي لغته الأم ليكون مدركًا لأسرار هذه اللغة مثلما أنا متمكن من أسرار لغتي الأم: اللغة العربية. هناك من حاول أن يقوم بهذه التجربة، أي أن يترجم أعمالًا من لغته الأم إلى لغات أخرى، ولكن النتيجة في النهاية تكون ترجمة رديئة.