الاعتقاد السائد في المجتمعات الشرقيةوالغربية على حد سواء بأن المرأة الغربية تحصل على حقوقها كاملة، مقارنة بقريناتها في الشطر الشرقي من العالم، يتهاوى يومًا بعد يوم. فالأرقام والإحصاءات - التي ربما لا يلتفت إليها أحد - تثبت أن المرأة في العالم الذي يطلق عليه العالم الأول أو العالم المتقدم أكثر عرضة للاضطهاد والممارسات العنيفة. وطبقًا لآخر الإحصاءات البريطانية - الخاصة بالعنف المُمارس ضد المرأة - فإن السبب الرئيسي لقتل السيدات كان بسبب العنف الأسري من قبل الزوج أو شريك الحياة، فمن بين 113 سيدة تعرضن للقتل العام الماضي 78 منهن قُتلن على يد شريك حياة حالي أو سابق. وفور صدور التقرير الذي وُصِف بالمرعب انطلقت حملات عديدة تطالب الحكومة البريطانية التي ترأسها حاليا سيدة - تريزا ماي - للتدخل للحد من هذا الأمر قبل أن يتفاقم ويصل إلى حد الظاهرة. لا أحد ينكر أن المجتمع المصري يعاني أيضًا من وجود حالات عنف ضد السيدات. وإذا نظرنا في المقابل إلى إحصاءات المركز القومي للمرأة نجد أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن حوالي ثلث المصريات ممن سبق لهن الزواج تعرضن للعنف الجسدي، وأن معظم حالات العنف تلك يقوم بها الأزواج. تلك الأرقام تتشابه بشكل أو بآخر في المجتمعات العربية، ولكن لا يصل الأمر إلى العنف الذي يؤدي إلى القتل، كما هو الحال في بريطانيا. ما ألمسه يوميًا من ممارسات الشارع في بريطانيا أن المرأة في المجتمعات العربية تحظى باحترام أكبر مما تحظى به المرأة في الغرب، ومع ذلك ينظر إلينا الغرب عادة على أننا نضطهد المرأة وأننا نخاف من السلطات ولا نختشى أن نظلم المرأة. أتذكر عند انتقالي إلى لندن قصة أسرة عربية أخذت السلطات طفليها وأرسلتهما للعيش مع أسرة بديلة؛ لأن الجار أبلغ الشرطة أنه يشك في أن الزوج يمارس العنف اللفظي والنفسي على زوجته. التهمة هنا بلا دليل؛ أما السلطات فاعتمدت في قرار إبعاد الطفلين على حقيقة واحدة لا تخفيها ”أنتم عرب ونعلم جيدًا أن الرجال يضربون زوجاتهم ويسببون لهم الإيذاء النفسي“. ظلت هذه الأسرة لشهور طويلة تحاول أن تثبت أنها أسرة طبيعية ولا يوجد ما يهدد الزوجة أو أمان ورفاهية الأطفال. من أين جاءوا بهذه المقولة؟! ما هو سلوكنا كعرب جعلهم يصدقون مثل هذه الأمور دون دليل.. من أين جاءوا بهذه القسوة التي تحرم أم من ابنيها لمجرد أن صوت زوجها ارتفع خلال نقاش يحدث يوميًا في أي بيت.. كيف فهم الجار البريطاني أن هذه السيدة في خطر وهو لا يفهم كلمة من الحوار. هل العيب في الغرب أم فينا نحن؟ إجابة هذا السؤال لا تفرق كثيرًا.. المهم ماذا نحن فاعلون؟ هذه القضية، وهذا الفهم الخاطئ يجب أن تحظى بالاهتمام فبناء المجتمع من الداخل مهم، ولكن أيضًا من المهم أن يعرف العالم أن مجتمعاتنا العربية سوية لا تقل في نظرتها للمرأة عن المفهوم الغربي بل قد تفوقه. وإذا عدنا إلى ما جاء في التقرير البريطاني، والذي يؤكد أن العنف الأسري يفضي في معظم الحالات إلى قتل السيدات فنجد أن التقرير يوجه اللوم إلى القوانين التي لا تردع الرجال عن ممارسة العنف على شريكات حياتهم. ويوجه التقرير اللوم لجهاز الأمن لعدم التحرك بشكل جدي لمنع تفاقم العنف الأسري والتهديدات لتصل إلى مرحلة إزهاق الأرواح؛ خاصة مع توافر مؤشرات تدل على احتمال وقوع تلك الجريمة. العنف ضد المرأة ليس جسديًا فقط ربما العنف النفسي له تأثير أعنف على المجتمع فطبقًا لتعريف الأممالمتحدة لهذه الآفة التي يعاني منها العالم فإن العنف الأسري قد يكون بإحداث إيذاء أو ألم جسدي أو نفسي ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء. القوانين وحدها لا تكفي للقضاء على العنف الأسري، بل التوعية وغرس القيم الحميدة في سن مبكرة؛ سواء في المدارس أو برامج التوعية.