أثار مصطلح النقد الثقافي جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافية والنقدية، ولا سيما في مؤتمر "نقد الممارسة في الدراسات الثقافية"، بالمجلس الأعلى للثقافة، الذي ينظمه مركز الدراسات الثقافية، ومنسقته الدكتورة مروة مختار، عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس. إذ شهدت منصة المجلس، في جلستها البحثية الثالثة – أكثر الجلسات جدلًا على مدار اليوم – نقاشًا حول مصطلح النقد الثقافي والأصوات النقدية التي تنادي ببروزه عوضًا عن النقد الأدبي فيما تعتبر أصواتًا نقدية أخرى أن النقد الثقافي نقد من لا نقد له، وأن النقد الأدبي الأكاديمي ليس نقدًا جامدًا أو جافًا وإنما يراعي في مضمونه الجوانب الثقافية والسياسية والتاريخية للنص والمؤلف، وذلك بحضور هشام زغلول مؤلف بحث "الخطاب النقدي الثقافي..مساءلة منهجية للمفاهيم والمقولات العربية"، والدكتور حمدي النورج الذي قدّم بحثًا عنوانه "الهجرة غير الشرعية.. دراسة في النسق الثقافي المقارن بين فيلمي المدينة والبر الثاني"، وشاركوا منال فاروق ببحث عن "النقد الثقافي.. سؤال وإجابة"، فيما أدار الجلسة الدكتور محمود عبدالغفار. إشكالية النقد الثقافي (أهم الظواهر الأدبية التي رافقت ما بعد الحداثة)، إشكالية قديمة، أفرد لها الدكتور عبدالله الغذامي كتابًا عنوانه "النقد الثقافي.. قراءة في الأنساق الثقافية العربية"، إذ يمكن تعريف النقد الثقافي بأنه نقدًا يحلل النصوص والخطابات الأدبية والفنية والجمالية في ضوء معايير ثقافية وسياسية واجتماعية وأخلاقية. في بحثه، قال هشام زغلول، إن من يتأمل ممارسات النقد الثقافي يجدها موزعة على قسمين، الأول؛ قراءات تناولت الأدب من منظور نقدي ثقافي يدرسه في إطاره المجرد عن أدبية الأدب باعتباره نصًا، أي يولي العناصر الثقافية وحدها قيمة في حد ذاتها، والآخر؛ وهو منجز ليس بالقليل، يضفر الثقافي بالأدبي، ولا يدعي انفكاك أيهما عن الآخر، بل يؤكد عكس ذلك في تنظيره. وتعرض "زغلول" في بحثه إلى مسألة "موت الناقد الأدبي"، والتي أعلنها الدكتور الغذامي، إذ وصفه "زغلول" بأنه كان أكثر راديكالية حين وصم النقد الأدبي بالقصور، وزعم أنه أوقعنا في عمي ثقافي تام عن العيوب النسقية المختبئة تحت عباءة الجمالي"، كما اعتبر أن الغذامي تبنى طاقة تنظيرية متمردة، احتمال أن تكون وليدة ثلاثة؛ إما تبنى خطابًا نقديًا ثقافيًا غربيًا ما، ثم طفق يطبقه بحذافيره غير مبال بخصوصية السياق الثقافي العربي، وإما أن ثمة إرهاصات مناظرة استشعرها الغذامي في خطاب أحد لذاته من النقاد العرب. وتبنت الدكتورة عزيزة بدر، إحدى الباحثات المشاركات في المؤتمر ببحث حول "القيم والأيدلوجيا والعلم"، وجهة نظر تميل إلى رأي عبدالله الغذامي حول النقد الثقافي، إذ تقول: "القراءة فعل اجتماعي سياسي جذري، ينفذ إلى بنية المعنى والعلاقات الاجتماعية"، داعية إلى ما وصفته ب"التحرر من رق النقد الأدبي". وتداخلت الدكتور نانسي إبراهيم، مدرس الأدب والنقد الحديث بجامعة قناة السويس، بمداخلة في ذات الإطار، دعت فيها إلى الالتزام بالنقد الأدبي، باعتباره نقدًا جامعًا وشاملًا، لا يمكن تعويضه بالنقد الثقافي، مشيرة إلى أن النقد الثقافي جزء لا يتجزأ من النقد الثقافي، ولا يوجد تعارض بينهما، مضيفة أن نظريات تحليل الخطاب أشمل وأوسع.