بالقرب من مستشفي القصر العيني، التي يصطف أمامه، عدد كبير من المرضي الفقراء، الذين لا يستطيعون تدبير نفقات العلاج، يقف "وليد" تاجر الحيوانات الألفية، وأمام كميات من طعام، القطط والكلاب، التي تنفق عليها بعض فئات المجتمع، مبالغ مالية للعناية بها، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة. يمثل المشهد مفارقة عجيبة، رصدتها الأرقام في تقرير، الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي كشف استيراد مصر لأكل قطط وكلاب، بقيمة 52 مليونًا، و435 دولارًا، خلال عام 2016. والأغرب من ذلك، تنظيم مسابقة "أجمل قطة"، الذي تم تنظيمه، مساء السبت الماضي، واستضافة القطة الفائرة بالمسابقة، علي شاشات القنوات التليفزيونية، وتأكيد منظمي الحفل، أن سعر القطط المشاركة، وصلت مابين 1000 إلي 3000 آلاف دولار، وظهور ملاجئ للرعاية، وإنقاذ الحيوانات الأليفة، وتقديم المساعدة لها، وجمعيات الدفاع عن حقوق الحيوانات، وأطباء متخصصين لرعاية وعلاج الحيوانات الأليفة، وانتشار محلات بيع القطط والكلاب في الأحياء الشعبية. وهو ما يكشف عن حجم التناقض، الذي يعيشه مجتمع يعاني من البطالة والفقر والمرض، وأزمة اقتصادية طاحنة، يقتطع بعض أفراده من رواتبهم، لرعاية الحيوانات الأليفة في منازلهم، ويعيشون معهم، ويعاملوهم كأحد أفراد الأسرة. تاجر: هواية تربية الحيوانات "إدمان" في الجهة المقابلة لمعهد الكبد، بشارع القصر العيني، بوسط القاهرة، يزدحم متجر صغير بالأقفاص والأرفف، المليئة عن آخرها بالقطط والنسانيس والزواحف، وتصدر منه رائحة كريهة تملأ المكان، بالرغم من وجوده بجوار إحدى الصيدليات، التي يتردد عليها المرضي. رفض صاحب المحل، الذي بدت عليه مظاهر الثراء التصوير، أو التحدث عن أسرار مهنته بشكل قاطع، أو تبرير سبب الرائحة الكريهة التي في محله، وتأثيرها علي المرضى الذين يمتلئ بهم الشارع. علي بعد خطوات منه، جلس أحد أشهر تجار الحيوانات الأليفة في مصر، والمعروف باسم "وليد براويز"، والذي اكتفي بوضع كمية من طعام القطط والكلاب، بين الحين والآخر، يحضر إليه مربي الحيوانات، ليسألون عنه بالاسم. يعمل وليد براويز في مهنة تجارة الحيوانات الأليفة، منذ أن كان طفلاً صغيراً، ويمتلك خبرة كبيرة في المجال، يقول:" تربية الحيوانات إدمان وحب، ولا يستطيع مربي الحيوانات الابتعاد عن الحيوان الذي يرتبط به". بدأ وليد عمله في المهنة، منذ أن كان طفلاً، بدأت في البداية كهواية، ثم تطور الأمر لاحتراف، في تربية الحيوانات القطط والكلاب، بعدها تحول الأمر بالنسبة له لتجارة، ومصدر لكسب العيش. وبالرغم من أنه يحترف مهنة صناعة الزجاج والبراويز، إلا أنه يفضل تجارة الحيوانات الأليفة، التي تدر عليه دخلا شهرياً، ينفق منه علي أسرته الصغيرة، من خلال تخصيصه مكانًا في منزله لرعاية الحيوانات والاهتمام بها. ويعتبر سوق الجمعة بالسيدة عائشة، أكبر تجمع لتجار وهواة تربية الحيوانات الأليفة، القطط والكلاب والطيور والعصافير، حيث ترتبط تربية الحيوانات بأكثر من مهنة وصناعة، مثل صناعة الطعام، الذي يتم استيراد معظمه من الخارج، والأقفاص والسلاسل وبيوت الحيوانات. هذا بخلاف الأمصال والعقاقير الطبية، التي يتم تصنيعها خصيصاً للعلاج الحيوانات، وعيادات الطب البطرى، التي تنتشر في عدد من الأحياء الآن، ويوجد أطباء متخصصون، ولهم أسماء كبيرة في هذا المجال. يكمل وليد حديثه: "تربية وهواية الحيوانات "إدمان"، ولا يستطيع من اعتاد علي تربية الحيوانات أو التعامل معها، تركها أو الابتعاد عنها، لأن عالم الحيوانات يوجد لديها إخلاص ووفاء، لا يوجد في عالم البشر". يحمل الرجل الكثير من الحكايات، التي ربطته مع عدد من الحيوانات، حتي أنه يقول أنه عندما يتعرض لمشكلة أو ضائقة، يجلس مع بعض الحيوانات يربيها، ويتحدث ويتكلم معها، مؤكداً أنها تفهمه ويفهمها، وتحتفظ بأسراره الشخصية، وتتمني له الخير، بعكس أصدقائه من البشر. يشير الرجل، أن الكثير من مربي الحيوانات، يرتبطون بشكل نفسي مع حيواناتهم، يتحدثون إليهم، بعضهم يقتطع من قوته، ويقتسم معهم طعامه، ويحتفظ خلال فترة عمله، بالكثير من الحكايات، التي ربطت بعض الهواة والمربين بحيواناتهم. يؤكد وليد، أن قطاع تربية الحيوانات الأليفة، لم يتأثر بأي شكل من الأشكال بارتفاع الأسعار، أو الأزمة الاقتصادية، بالعكس زاد الاهتمام بتربية الحيوانات في المناطق الشعبية، وأصبحت بعض الأسر حريصة علي اقتناء وتربية الحيوانات في منزلها، واعتبرها فرد من أفراد الأسرة. بائع خردوات: نأكل "العيال" ولا نصرف علي القطط والكلاب أثناء حديث تاجر الحيوانات الأليفة، الذي لا ينتهي، قاطعه سمير سعيد، بائع الخردوات المتجول، الذي يقف بجواره في الشارع يقول: "تربية الحيوانات الأليفة، تقتصر علي فئة معينة، أنا كرجل أقف في الشارع طول النهار، أكل العيال وأصرف علي البيت، ولا أكل القطط والكلاب". يعمل سمير في تجارة الخردوات، ويقف ببضاعته في شارع القصر العيني، منذ 7 سنوات تقريباً، تأثر بشدة مثله مثل باقي فئات المجتمع، بالأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي تمر بها البلاد، ويري أن تربية الحيوانات تقتصر علي فئة بعينها. يكمل سمير حديثه: "تكلفة تربية الحيوانات الأليفة مرتفعة للغاية، لاسيما في ظل ارتفاع الأسعار، بالرغم من ذلك يحضر الهواة ومربو الحيوانات، لشراء طعام للقطط والكلاب بشكل يومي، لأن معظمهم ناس مستريحة غيرنا إحنا الغلابة". خبيرة علم اجتماع: تربية الحيوانات الأليفة مرض لدي البعض كشف تاجر الحيوانات، أن الارتباط بالحيوانات، يمثل للبعض "إدمان"، وارتباط شخصي، حتي إن بعض الأزواج، يفضل الجلوس مع كلبه أو الحيوان الأليف، عن الجلوس مع أسرته، وهو ما يشكل ظاهرة اجتماعية. قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن هناك أكثر من فئة تهتم بتربية الحيوانات الأليفة، وكل فئة تنظر إلي هذا الموضوع بشكل مختلف، فتوجد الفئات تبحث عن الونس، وتهرب من الشعور بالوحدة. وأضافت في تصريحات ل " بوابة الأهرام"، أن هناك بعض الأرامل وكبار السن، الذين يعيشون بمفردهم، يربون الحيوانات الأليفة في منازلهم، كالطيور والقطط والكلاب، لأنهم يشعرون أن هناك من يحتاج إليهم، ويشغلون حياتهم، فيما توجد فئة ترتبط بالحيوانات الأليفة نفسياً وتهوي رعايتها. وتؤكد أستاذة علم الاجتماع، أن هناك فئات أخري تحب المظاهر، ونطلق عليها الفئة "المظهرية"، والتي تحاول الظهور بصورة علي عكس حقيقتها، من خلال تربية الحيوانات والاتفاق عليها، بالرغم ما تعانيه من ظروف معيشة واقتصادية صعبة، مشيرة إلي أن هذا يدل علي التناقض، ويعتبر تقليدًا أعمي للآخر، وهو مرض اجتماعي موجود في مجتمعنا. أصدقاء الحيوان: تربية القطط والكلاب تعلم الرحمة والإحسان فيما تؤكد مني خليل، نائب رئيس الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان، إن هناك نقطة يجب توضيحها، وهي أن يوجد حيوانات يمكن تربيتها في المنزل، مثل الكلاب والقطط والطيور والأسماك، وحيوانات لا يمكن ولا يجوز تربيتها في المنزل، مثل القرود والثعابين والغرباء والحرباء والسحالي والتماسيح والنمور. وتوضح خليل، أن هناك صورة خاطئة تنقلها الأمهات للأطفال، وهي تربيتهم علي الخوف من الحيوانات، وهذا يؤدي إلي الكره، ويعرض الحيوانات للضرب والإيذاء، مشيرة إلي أن هناك من يزرع في أبنائه حب الحيوان، وهذا شعور يجلب الرحمة، والإحساس، وتحمل المسئولية لدي الإنسان منذ الصغر. وأكدت نائب رئيس الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان، أنه لابد من حماية حقوق الحيوان، ونشر ثقافة شعبية لاحترام الحيوانات، وخاصة حيوانات الشارع الضالة، لافتة الي أن هدف الجمعية هو علاج الحيوانات الضالة ورعايتهم، وللأسف، نادرا عندما يساعدنا الناس ويحضروا حيوانًا مريضًا أو مجروحًا. طبيب بيطري: المصريين تعلموا احترام الحيوانات مؤخراً ومن الجانب العلمي، يقول الدكتور أحمد عبده، طبيب بيطري، إن المصريين الآن بدأوا احترام الحيوانات، والعناية بالحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط، مشيرا إلي أن هناك من يربي الحيوانات التي تحتاج لعناية، مثل الكلب "الهاسكي" و"الشيواوا". وأضاف الطبيب البيطري، أن العيادة تسجل جدول مواعيد للحيوانات المريضة، وكل حيوان له حساب خاص، من أجل متابعة صحته بشكل منتظم، ومتابعة تطعيمه، وكل ما يلزمه، موضحا أن بين المربي والحيوان علاقة قوية، قائمة علي المشاعر والصداقة والثقة والحب، هو ما كشفه من خلال عمله.