بعد أن تسربت العشوائية إلى شوارعنا وعمتها الفوضى القاتلة بدرجة مفزعة؛ وأصبح الانفلات أهم سماتها؛ أضحى الانضباط مطلبًا؛ لذلك الحديث عن قانون المرور الجديد يحتل أهمية قصوى عند الناس؛ لما يمثله من أمل يداعب خيالاتهم، بعودة الهدوء إلى الشارع مرة أخرى؛ ولنتمكن من هذا؛ لابد من صدوره بشكل يلم بكل مستجدات الحياة المصرية؛ وكذلك بكل تفاصيلها. القراءة الأولية لمسودته تؤكد أن ردع المخالف عن ارتكاب جرائم المرور؛ هو العامل الأهم الذي ارتكز عليه واضعو القانون؛ والردع بالمفهوم القانوني يعني الحول دون وقوع المخالفات بطرق مشروعة وواضحة للكافة من خلال تطبيق قواعد صارمة؛ تحترم حياة الإنسان وتقدسها؛ ومن ثم فمن يتسبب بضرر؛ يستحق عقوبة تقدر بقيمة الضرر. إلى هنا الأمر يسير بشكل إيجابي ومنطقي؛ فوجود القواعد الواضحة لقائدي المركبات؛ وعقوبات مخالفاتها؛ من شأنه ضبط إيقاع الشارع مرة أخرى. ولكن حتى ينجح القانون في تحقيق هدفه المنشود؛ لابد من وضع بعض النقاط التالية في الاعتبار، أولها؛ وضع حل حاسم ل"التوك توك"؛ فلا يعقل أن يصرح أحد مسئولي المرور بأنه حال تنفيذ القانون؛ سيمنع دخول ال"توك توك" للبلاد أو تصنيعه محليًا إلا بمواصفات محدده يقرها قانون المرور الجديد؛ أما ال 2.5 مليون "توك توك" الموجودون الآن؛ فالتعامل معهم سيكون بالقطعة! فمن يتم ضبطه؛ سيتم تعديله طبقًا للمواصفات التي حددها القانون؛ والسؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ لماذا الانتظار حتى صدور القانون؛ حتى يتم تعديل من يتم القبض عليه؛ كيف سنتمكن من تعديل هذا العدد الضخم دفعة واحدة؟ ولماذا لا نبدأ في التعديل من الآن؟ وحتى صدور القانون كيف سيتم التعامل معهم؛ بعد أن أصبحوا المصدر الرئيسي لإرهاب الناس! وهنا أتذكر ما حدث معي حينما صدمتني سيارة منذ فترة طويلة؛ وحينما أبلغت النجدة؛ كان سؤالهم الأول؛ هل صدمك "توك توك"؟ وحينما أجبت بلا؛ طلب مني موقعي وبعض البيانات الأخرى، لماذا؟ لأن "التوك توك" بلا بيانات، ويصعب الوصول إليه؛ ومن ثم وجوده بهذ الكم الكبير، وبهذه الوضعية؛ يمثل أكبر علامة استفهام في تاريخ المرور المصري! أيضا يجب أن نضع في اعتبارنا أن هناك 2.5 مليون إنسان يعتبر "التوك توك" مصدر رزقهم الأساسي؛ من هنا بات من الضروري النظر لهذه المركبة بقدر لائق من الاهتمام، والتعامل مع أمرها بالجدية اللازمة في ضوء ما سبق الإشارة إليه. الأمر الثاني؛ لم يوضح القانون وضع عربات "الكارو" أو المركبة التي تسير بدراجة عادية "ثلاثية العجل" وهى تشبه "التروسيكل" صاحب الدراجة النارية؛ فهي صاحبة وضع شاذ؛ فهي تستخدم الطرق؛ مثلها مثل باقي المركبات؛ فما طريقة التعامل معها حال قيامها بصدم أي سيارة؛ أو تعطيل المرور؟ الأمر الثالث؛ يوضح القانون عقوبة إيقاف السيارة في الممنوع؛ ولكننا لا نعلم ما هي عقوبة اقتطاع جزء من الشارع، ووضع صدادة حديدية؛ نراها بكثرة أمام أغلب العقارات؛ حتى يتمكن سكانها من "ركن" سياراتهم بأريحية؛ ولتذهب معاناة المارة إلى الجحيم؛ ولأنه أمر يتحكم فيه الأحياء؛ يكون من المهم؛ أن يشمل القانون عقوبة محددة لهذا الفعل الغريب؛ فلا يعقل أن نتحدث عن المرور؛ ونسمح بشكل ما من زاوية أخرى بتعطيله! أضف لما سبق؛ ما يفعله رواد المقاهي؛ فسياراتهم تخنق الشوارع بشكل مستفز؛ ولكثرتها؛ أصبحت أماكنها عبارة عن نقاط خانقة؛ العبور منها كعبور نفق ضيق؛ فهل سيعاملون معاملة الوقوف في الممنوع؟! أم سيضع القائمون على إصدار القانون الجديد هذا البعد في اعتبارهم بالشكل السليم الذي يجبر كل الناس على احترام الشارع؛ من خلال بيان العقوبة الصارمة التي تردع المخالف بوضوح تام. وفي ذات السياق؛ كيف سيكون التعامل مع العقارات التي تحولت جراجاتها إلى مخازن أو محلات..إلخ؛ وأمسى السكان مضطرون إلى ركن سياراتهم في الشارع؛ هل يمكن أن تكون هناك عقوبة واضحة لغلق هذه الجراجات؛ وعلى من تكون العقوبة على من غلقها؛ واستخدمها لغرض آخر أم على من سهل له ذلك؛ وكيف سيتم التعامل مع هذا الوضع مستقبلا؟ بالقطعة أيضًا؛ أم يمكن وضع تصور قانوني لمعالجة هذا الخلل الجسيم؟ إنها بعض النقاط المهمة التي تستلزم الانتباه لها والتخطيط الجيد لمواجهتها قبل البدء في تفعيل قانون المرور الجديد.. وللحديث بقية.. [email protected]