مرت سنة على الثورة. من يصدق أن سنة مرت على الثورة ؟! رغم ذلك، ما زالت الأهداف فى رحم الغيب، طىّ أحجار الودع، ترفرف، مع الأرواح، حول الشجيرات الصغيرة فى الميدان. كم سنة ينبغى أن تمر، لتنجز الثورة نفسها ؟ كم شهيداً ينبغى أن يسقط، ليبلغ الشعار مأمنه ؟ قبل يناير كان مبارك هو " القانون "، أما علاء وجمال وعز وسرور والشريف وعزمى..إلخ، فهم مواد القانون الذى ما زال سارياً. لقد نشع " مبارك "، فى مفاصل مصر، وأفرخ "عبد الروتين" والمرتشى والمخبر والحرامى والوزير الذى يُعين لتشابه الأسماء، أفرخ أشياء كثيرة أهمها أن مبارك نفسه، حتى وهو يتخلى عن الحكم، قد خالف الدستور. هل كان كل شىء معه باطلاً فى باطل؟ مبارك، بين توليه وتخليه، يشبه الاحتلال الإنجليزى فى أنه " إذا احتل بلداً مائة عام، فإنه يبقى فيها مائة عام أخرى ". ولذلك سألت الفقيه الدستورى محمد نور فرحات: كم من السنوات نحتاج لنتطهر من قانون مبارك ؟ فقال: - الحساب ليس بالمدد، المسألة أن نظم الحكم ترسى مجموعة من التقاليد والعادات، ترتبط بها، فى غيبة من هذه النظم، شبكة مصالح هى التى تبقى بعدها. وهنا تأتى مهمة الثورة..أن تتعقب هذه الشبكة، بهدف قطع الخيوط * الأمر مرهون إذن بإرادة الثورة ؟ - بالضبط، وهذا ما فعلته ثورة يوليو مع الإرث السابق عليها، خاصة فيما يتعلق بالممارسات الإقطاعية والطبقية ومظاهر الظلم الاجتماعى التى كانت سائدة فى العهد الملكى * لكن ثورة يوليو استولت على السلطة، ومن ثم كانت بيدها مقاليد الأمور ؟ - هذا هو بيت القصيد. نحن أمام ثورة أنهت نظاماً قديماً ولم تبن نظاماً جديداً بعد * ومتى يمكن أن تبنى ثورة يناير نظامها ؟ - الأمر بحاجة لأن تكون الأهداف واضحة أمام الثوار، عليهم أن يسعوا لبناء مؤسسات الثورة، أو دفع المؤسسات القائمة إلى تبنى أهداف الثورة * المشكلة أن هذه المؤسسات لا تريد ؟ - وهل كان مبارك يريد التنحى عن الحكم ! * معك حق. قل لى، من موقعك كفقيه دستورى، ما أخطر جريمة ارتكبها مبارك؟ - أنه قضى على السياسة وروض الأحزاب السياسية وعود المصريين على عدم التفكير فى الغد، أرهبهم من مجرد الاقتراب من المستقبل، وأباح شيئاً واحداً هو التفكير فى الآخرة. وهذا ما نجنى ثماره الآن * والناحية القانونية ؟ - جرائمه القانونية كثيرة، أخطرها مقاومته لإدخال أية تعديلات على دستور 1971 ، رغم أنه دستور استبدادى بامتياز، وعندما فعل جاءت التعديلات مراوغة ومخادعة ترفع مبادى الديموقراطية كذباً بينما هى فى الحقيقة تعمل على وضع الأطر القانونية لتوريث الحكم لابنه، الجريمة أنه كاد أن يقوض مفهوم الجمهورية فى النظام السياسى المصرى، بحيث تتحول مصر من دولة يُنتخب رؤساؤها، وهى إحدى مكتسبات ثورة يوليو، إلى دولة تُمتهن فيها كرامة المصريين وإرادتهم، وتًروض فيها قواعد القانون والدستور علشان خاطر عيون ابنه * طالما أن قانون 71 استبدادى، لماذا رقعناه ؟ - هذا الدستور سقط بقيام الثورة، وقد ناديت بإعلان سقوطه، لكن أحداً لم يسمع ندائى * ما العلة..هل هى سوء النية أم الترتيب لأمر ما ؟ - المجلس العسكرى، بعد تسلم السلطة من الرئيس السابق، كان محاطاً بمجموعة من المستشارين، البعض منهم معروف الهوية، والبعض غير معروف، أشاروا على المجلس بأن الدستور لم يسقط، وأنه من الممكن تعديل بعض المواد، فسار المجلس على نهج مبارك، وأقر بذلك، لكنه اكتشف أن إعادة الحياة إلى دستور 1971 ستفقده شرعيته، فأعلن انتهاء العمل به ووضع إعلاناً دستورياً أخذت بعض مواده من هذا الدستور والبعض استفتى الشعب عليها فى سيناريو مرتبك ينم على التردد وعدم وجود رؤية واضحة فى المسألة الدستورية * ألم يكن الأولى بمبارك أن يقدم استقالته، كما تنص المادة 183 من الدستور، لرئيس مجلس الشعب ؟ - حسب دستور 71، كان عليه أن يكلف رئيس مجلس الشعب، فإن لم يوجد، يسرى التكليف على رئيس المحكمة الدستورية العليا، للقيام بأعباء رئيس الجمهورية والدعوة لانتخاب رئيس جديد فى غضون 60 يوماً