شارك أكثر من مائة ألف موظف، من العاملين في القطاع العام الفرنسي، الثلاثاء، في تظاهرات احتجاج على خطط الرئيس إيمانويل ماكرون، لتجميد رواتبهم، وخفض أعدادهم. وأصدرت تسع نقابات، تمثل 5,4 مليون موظف في القطاع العام، دعوة مشتركة للإضراب، تعبيرًا عن "عدم موافقتهم الشديدة" على محاولة ماكرون إحداث تغيير في القطاع العام الضخم. وتعد هذه الاحتجاجات، الرابعة من نوعها في فرنسا منذ سبتمبر، بهدف دفع الرئيس البالغ من العمر 39 عامًا، إلى التراجع عن الإصلاحات، فيما يراقب الحلفاء الأوروبيين، والمستثمرون، التطورات عن كثب. ونزل أكثر من 100 ألف شخص إلى شوارع باريس وليون وستراسبورغ ونيس، وغيرها من المدن، الثلاثاء، بحسب السلطات، فيما قدرت نقابة الكونفيدرالية العامة للعمل (سي جي تي) اليسارية المتشددة عدد المشاركين في أنحاء البلاد ب400 ألف. وفي مدينة رين، الواقعة في غرب فرنسا، قال ماريون غلبير (38 عاما) إن القطاع العام قد "جف" أصلا، مضيفا أن "تجميد الرواتب وسحق موظفي القطاع العام، أمران يصعب هضمهما". وأما إيزابيلا روشا، وهي موظفة خدمات اجتماعية في ليون، تبلغ من العمر 57 عاما، فأكدت كذلك، أن الموظفين أرهقوا من الضغط المستمر عليهم. وقالت "الكثير من الأشخاص يأخذون إجازات مرضية، ولا أحد يتساءل لما يحدث ذلك". وتعطلت حركة القطارات والمدارس بشكل محدود، فيما لم يتم إلغاء إلا رحلات طيران قليلة. وفيما انتقد معارضو ماكرون سياساته بشدة، فان المحللين يشيرون إلى أن حركة الاحتجاج، لم تبلغ بعد الحجم اللازم لإجبار الحكومة على التراجع. وقال رئيس الوزراء، إدوار فيليب، الإثنين، إن الحكومة لا تنوي على إلاطلاق تغيير مسارها، مؤكدًا مع ذلك للموظفين، أن الإصلاحات "لم تنتقص من مكانتهم إطلاقا، بل هم أساسيون في سير العمل في بلدنا". في المقابل، قال زعيم الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل، لوران بيرجيه، الذي لا يعتبر من الأشد انتقادًا للحكومة، في مقابلة نشرتها صحيفة "ليزيكوه" إن "الحكومة لا تدرك على ما يبدو حجم القلق العميق الذي يطال الموظفين" الذين يعانون برأيه "من اعتبارهم مجرد رقم في الميزانية، وليس ثروة". وتعد التعبئة يوم الثلاثاء، أول دعوة مشتركة للإضراب، تصدرها جميع نقابات القطاع العام التسعة منذ عقد، كما أنها المرة الأولى منذ 2009، التي تدعو فيها نقابات العاملين في المستشفيات أعضاءها إلى عدم ممارسة عملهم. وبين الأساتذة، بلغ معدل الإضراب 17,5 بالمائة، بحسب وزارة التعليم، فيما أشارت النقابات، إلى أنه بلغ بين 35 و50 بالمائة. وتم كذلك إلغاء نحو 30 بالمائة من الرحلات، من وإلى باريس، وغيرها من المدن الكبرى، كإجراء احترازي. وأعلنت الحكومة، عن خطط لخفض الإنفاق ب16 مليار يورو (18 مليار دولار) العام المقبل، عبر إجراءات تتضمن تجميد رواتب العاملين في القطاع العام، وإلغاء نحو 1600 وظيفة، في أول خطوة من مخطط ماكرون، إلغاء 120 ألف وظيفة بحلول العام 2022. وقال أمين عام نقابة "سي جي تي" فيليب مارتينيز، إنه من غير العادل، أن يتم تصوير موظفي القطاع العام على أنهم "متراخون ويستنزفون" موارد الدولة. وأشار إلى أن "هناك عددا قليلا جدا من الموظفين، ويريدون تقليص العدد أكثر". وتأتي التظاهرات في وقت يواجه ماكرون، الذي يصفه معارضوه من اليساريين بأنه "رئيس الأغنياء"، انتقادات جراء سلسلة من التصريحات التي أدلى بها، واعتبرت مهينة للعمال الساخطين. وتأمل نقابة "سي جي تي" وزعيم اليسار المتشدد جان-لوك ميلانشون، بأن تعطي إضرابات الثلاثاء، زخما جديدا لحركتهم الاحتجاجية، وأن تشجع باقي الشرائح الساخطة على الانضمام. وقال فريدريك دابي من معهد "ايفوب" لاستطلاعات الرأي، إن ماكرون سيبقى قادرا بحرية على تطبيق أجندته، إلا في حال شارك موظفون آخرون في الإضرابات، أو نزل الطلبة، الذين أغضبهم خفض الإعانات المالية، إلى الشوارع. غير أن عدة نقابات تواجه مطالب من قاعدتها للقيام بتحركات أشد حزمًا، والضغوط تتصاعد بهذا الصدد. وكشف استطلاع للرأي، أجراه معهد "هاريس إنتراكتيف" ونشرت نتائجه الإثنين، أن 57% من الفرنسيين يؤيدون الإضرابات والتظاهرات ضد مراسيم إصلاح قانون العمل.