يعد مركز نقادة، جنوب محافظة قنا بصعيد مصر، من أهم المراكز التي تشتهر بصناعة الفركة (بكسر الفاء) وهي عبارة عن منسوجات مصنعة يدويًا بمعدات النول من الخيوط القطنية والحريرية، وهي أحد أشكال النول اليدوي لإنتاج أقمشة وشيلان يدوية من الكتان والحرير، وهي تلك الأقمشة التي كانت تصدر قديمًا لدول إفريقيا. والفركة صناعة يدوية قديمة جدًا تعود إلى عصر الفراعنة، وأفضل ما يميز الفركة أنها ما زالت بتقاليدها القديمة الممتدة منذ العصر المصري القديم بمراحلها التقليدية للمنسوجات دون أي تدخل من تجهيز أو خياطة. وتعد مدينة نقادة جنوب محافظة قنا هي رائدة صناعة الفركة في مصر، وقد اشتهرت نقادة بتصديرها إلى السودان وبعض الدول الإفريقية، حيث تعد الفركة الزيّ المفضل للسيدات هناك، ويتشحون به كنوع من التبارك. من خلال الفركة ارتحل النقادي بتجارته قديمًا لبلاد إفريقيا وأعطى شهرة كبيرة لمصر هناك. هذا ما يقوله العجائز الممتهنون لهذه المهنة التي تتعرض للاندثار. وتشير رسالة جغرافية بجامعة جنوب الوادي بقنا إلى أن الفركة معرضة للاندثار. ويذهب محمود عبود في دراسته "الصناعات الصغيرة والتنمية في محافظة قنا" إلى أن صناعة الفركة التي يعدها الأفارقة زي البركة فيرتدونها في حفلات الطهور والزواج تواجه شبح الاندثار بسبب غلاء المواد الخام من جهة، وعدم وجود لحركة السياحة وعدم الاهتمام الرسمي بتسويقها مثل صناعات العسل الأسود والفخار من جهة أخرى. يقول الباحث محمود عبود في دراسته إنه "يوجد في محافظة قنا عدد من نماذج مدارس الفطرة الإنسانية متمثلاً في مركز نقادة الذي يعد من أشهر مراكز المحافظة في إنتاج صناعة الفركة، وهي عبارة عن شال من الحرير المصنع يدويًا والتي تمثل اعتقادًا دينيًا في بعض الدول الإفريقية بأنها تجلب البركة"، لافتًا إلى أنه حديثًا تم إدخال الشيلان والأقمشة من الأقطان إليها. تحدثت الدراسة عن مراحل صناعة الفركة التي تمر بأكثر من مرحلة: الأولى هي شراء خيط الحرير الصناعي الأبيض وتلوينه حسب الطلب بالأصباغ المختلفة، والثانية هي لف الخيط وشده على النول تمهيدًا لعملية النسج، ثم مرحلة لف الخيوط، ثم تمر الصناعة بعدة مراحل، وتأتى المرحلة الأخيرة وهي التصنيع بالمكوك على النول. ويشتمل النول على عدد 4 مكوك أو أقل، وهو الجزء الذي يحدد الشكل، حسب الطلب والرغبة في إدخال أشكال جديدة، وتتطلب عملية شد النول دقة متناهية وصبرًا طويلًا، حيث يقوم بهذه العملية أكثر من شخص، وقد تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أيام، تبدأ بعدها عملية نسج الفركة التي تستغرق يومًا واحدًا على الأكثر. وتشير الدراسة إلى أن مدينة نقادة تنتج الفركة نوع الدرماني والسياحية والملاءة الإسناوي"الحبرة"، بالإضافة إلى بعض أنواع الأقمشة مثل "المبرد"، وفي الخمسينيات من القرن الماضي كان يعمل بهذه الحرفة 90 % من سكان المدينة، وبها ما يقرب من 2000 نول، وكانت تجلب الخيوط من شركات مصرية، "أما الآن فتستورد الخيوط من الصين والهند، وتعتمد هذه الصناعة في أسعارها على استقرار الأحوال الاقتصادية". وبلغ عدد منشآت صناعة الفركة في مركز نقادة بقنا 98 منشأة، جاءت قرية الخطارة فى المرتبة الأولى من حيث أعداد منشآت صناعة الفركة، ويرجع ذلك إلى زيادة عدد سكان القرية، بالإضافة إلى كبر مساحتها، في حين جاءت مدينة نقادة في المرتبة الثانية من حيث أعداد منشآت صناعة الفركة بنسبة ( 8,2 % ) وعلة ذلك شهرة المدينة بهذه الصناعة، فيما جاءت قرية كوم الضبع في المرتبة الأخيرة من حيث أعداد المنشآت، وسبب ذلك قلة أعداد سكان القرية، بالإضافة إلى إمتهان معظم أهلها بعض المهن الأخرى. وعن أعداد العاملين في الفركة يقول الباحث محمود عبود ل"بوابة الأهرام" إنه بلغ عدد العاملين بصناعة الفركة في مركز نقادة نحو 406 عاملًا، وتصدرت قرية الخطارة عدد العاملين بصناعة الفركة بنسبة (85 %) ويرجع ذلك إلى زيادة أعداد المنشآت بالقرية، بالإضافة إلى قدم هذه الصناعة بالقرية، في حين جاءت مدينة نقادة في المرتبة الثانية من حيث عدد العاملين بصناعة الفركة بنسبة ( 10,3 % ) وعلة ذلك عزوف الشباب عن مزاولة هذه الحرفة لقلة عائدها المادي، بالإضافة إلى قلة التسويق بسبب ضعف حركة السياحة. في حين جاءت قرية كوم الضبع فى المرتبة الأخيرة من حيث عدد العاملين بصناعة الفركة بنسبة ( 4,7 % ) ومرد ذلك قلة عدد المنشآت بالقرية. أما عن حجم الإنتاج فيشير عبود إلى "أن الفرد ينتج من الفركة من 4 إلى 5 شيلان في اليوم، لكن في هذه الفترة مع قلة عدد السائحين وتدهور حالة السياحة في مصر أدى ذلك إلى قلة الإنتاج من شيلان الفركة، بالإضافة إلى قلة عدد العاملين بها. وأوضحت الدراسة الميدانية الكثير من الحقائق المهمة منها: ارتفاع أسعار الخيوط مما أدى إلى ضعف المردود المادي، ويكمن الحل - مثلما يقول الباحث- في الاقتصار على الأقطان المصرية طويل التيلة للتأكيد على خصوصية المنتج المحلي، ومن ثم ارتفاع قيمته المادية، واستخدام الألوان الطبيعية في الصباغة كالحنة وغيرها، وعدم استعمال أي منسوجات صناعية. كذلك عزوف الشباب وعدم إقبالهم على هذه الصناعة. وطالبت الدراسة بحل هذه المشكلة بالاهتمام بمراكز التدريب، بحيث تقتصر على التدريب والدعم الفني لتكوين كوادر مدربة تنشر هذه الحرف في القرى المجاورة، وبإقامة برامج تدريبية متخصصة وتصميمات جديدة للحرفيين على استحداث تصميمات جديدة، وزيادة التنسيق بين مراكز التدريب لتبادل الخبرات، كما هو الحال بين مركز النسيج اليدوي بنقادة والبيت النوبي بالأقصر، والتدريب على استخدام أنوال لصناعة السجاجيد ذات العقد حيث إن قيمتها أعلى من السجاد اليدوي العادي. ويضيف عبود إلى أنه من هذه الأسباب "موسمية العمل إلى حد ما، وعدم توفر دخل ثابت؛ حيث يقتصر العمل على موسم الشتاء فقط لارتباطه بموسم السياحة في الأقصر، لذا لابد من العمل على عودة تصدير الفركة السودانية مما يوسع من الأسواق، ومن ثم مزيدًا من الإنتاج، وهو ما ينعكس على زيادة دخول العاملين في المهنة". "كما تواجه هذه الصناعة منافسة شرسة من الصين والهند ومناطق أخرى داخل مصر من حيث كم الإنتاج، بالإضافة إلى المنافسة في نوعية ورخص ثمن المنتج ، ففي حين تصل ثمن القطعة الواحدة من منتج نقادة إلى 35 جنيهًا ينخفض السعر الصيني إلى 20 جنيهًا، كما تنافس الصين في المادة الخام، حيث يتم استيراد خيوط الفركة الجاهزة، لذا لابد من أن يطرأ تطوير لهذه الصناعة لمواجهة هذه المنافسة، ويجب حماية هذه الصناعة من خلال الحماية الجمركية والتقليد والاقتباس والسرقة وحماية الملكية الفكرية من خلال العلامة التجارية والمؤشرات الجغرافية فيها لمنع التزوير والتضليل للمستهلك، ولا تحمي المؤشرات الجغرافية لسلعة غير محمية في بلد المنشأ". وأشارت الدراسة إلى "عدم وجود مركز للإنتاج والتدريب يعمل على الاستمرارية ويوفر للحرفيين خدمات تدريبية، وقد أدى عدم وجود هذا المركز إلى عدم القدرة على تطوير وتسويق حرفهم مما يؤدي إلى تدني مستوى الدخل وسوء الحالة الاقتصادية لهذا المجتمع مما يؤثر بدوره على المستوى الاجتماعي لهذه الفئة، وسوف يسهم هذا المركز في فتح أسواق جديدة وتطوير للحرفة يتماشي مع تراثها ومع تقدم العصر". وأوضح الباحث أن "الفركة تعد زيًا تراثيًا يتباهى به الرجال والنساء على السواء، لذا لا بد أن تقوم محافظة قنا باتخاذ عدة إجراءات من شأنها الحفاظ على هذه الصناعة القديمة من الاندثار، ومن أهمها إقامة مراكز تدريب للشباب والفتيات للعمل بهذه المهنة مع توفير الاحتياجات اللازمة لهم، بالإضافة إلى الاستعانة بالتجارب المماثلة لإيجاد مسار جديد يحفظ للحرفي استمراريته ويحافظ على إنتاج حرفته اليدوية". احصائيات الدراسة الجغرافية عن مهنة الفركة بنقادة احصائيات الدراسة الجغرافية عن مهنة الفركة بنقادة صناعة الفركة بنقادة