لليوم السابع على التوالي يستمر عمال مصانع غزل المحلة عنادهم للشركة الخاسرة في الأساس، ليضعوا على عاتقها 50 مليونًا إضافية من الخسائر خلال هذا الأسبوع وحده من التوقف عن العمل. الإضراب الجاري حاليًا ليس سوى حلقة من عشرات الإضرابات المتكررة في الأعوام السابقة التي أخذت معها أموالًا ضخمة من الخسائر تكبدتها الدولة لدعم الشركة. هنا نحاول أن نستعرض باختصار هذا التاريخ الطويل من المواجهة بين العمال وشركتهم التي انتهت بوضع متدنى للكيان الذي تحول من أحد روافد الإنتاج، إلى عبء على الدولة، وصداع في رأس الحكومات المتعاقبة، التي وقفت عاجزة مكتوفة الأيدي، أمام مصنع بحجم وإمكانيات غزل المحلة. تصل مساحة شركة غزل المحلة، حوالي 600 فداناً، أسسها بنك مصر في عام 1927، وبدأ الإنتاج الفعلي بالشركة عام 1930؛ وتعتبر الشركة مجتمعًا عماليًا متكامل، تضم سكن للعمال يطلق عليها "المستعمرة"، ومدينة سكن للموظفين والإداريين بالشركة، بالإضافة لمسكن لرؤساء مجلس الإدارة بجوار الشركة. بالإضافة لمستشفى للعاملين بالشركة، غير تابع لوزارة الصحة، وملاعب رياضية واستاد وحمام سباحة، وفي خارج الشركة يوجد نادي اجتماعي للموظفين والعمال. تتكون الشركة من الإدارة، والتسويق والمشتريات، وشؤون العاملين، وقطاع الإنتاج، والشؤون القانونية، وقطاع الأمن والمخازن العمومية، والإدارة الهندسية، وقطاع الورش، وقطاع الكهرباء والإنارة، بالإضافة لإدارة الغزل، وتتكون من 8 مصانع، وإدارة النسيج وتتكون من 16 مصنعاً، وإدارة الصوف، وإدارة الملابس الجاهزة وبها 10 مصانع، وإدارة التجهيزات. مبارك يرتدي ملابسه من المصنع يعتبر العمال "الخصخصة"، بأنها المتسبب الأول، فيما وصلت إليه الشركة الآن، بعد أن انتهجت الدولة في التسعينات سياسية بيع القطاع العام، للتخلص من أرث العصر الناصري. قبل ذلك كانت الشركة تحقق أرباحاً، وتصدر إنتاجها لأكثر من 192 دولة حول العالم، علي رأسهم أمريكا وأوربا، معتمدة علي القطن المصري، وسمعته العالمية في الخارج، حتي وصل الأمر أن رئيس الجمهورية الأسبق، حسني مبارك، يرتدي ملابسه من إنتاج الشركة، وتبعه في ذلك الوزراء وقيادات الدولة لتشجيع الصناعة المصرية. وكان ذلك يتم في قسم "المخصوص"، وهو قسم خصصته الشركة، لتصنيع الملابس للشخصيات العامة في الدولة، وتولي العمل في هذا المصنع، عمال مدربين على أعلى مستوى، على يد خبراء إيطاليون.
الخصخصة وانهيار الشركة
كانت الشركة في هذه الفترة، تعمل بكامل طاقتها، وبها ما يقرب من 25 ألف عامل، يعملون في جميع قطاعات الشركة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، عندما فكرت الحكومة في بيع الشركة، وتطبق الخصخصة، وتخفيض عدد العمال ل 10 آلاف عامل فقط. يعتبر العمال أن سياسة التخسير بدأت منذ عام 2000، حيث تعمدت الإدارة ترشيد الاستهلاك، وعدم شراء قطع غيار، أو تحديث المكن، والتدخل والتلاعب في الانتخابات العمالية، لإبعاد القيادات العمالية المعترضة على سياسة الإدارة. وأكد العمال أن الإدارة، التي تولت الشركة بداية من عام 2006، بدأت في التخلص من أصول الشركة، وبيع وتفكيك المكن "خردة" نحاس وحديد، وهو ما أثر بالسلب علي الإنتاج. إضرابات عمال المحلة
أدت سياسة الإدارة لتخسير الشركة، لحالة من التذمر والغضب في أوساط العمال، الذين عرفوا طريق الإضراب لأول مرة، في عام 2006، ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف الإضرابات داخل الشركة، بواقع إضراب كل عام، للحصول على الأرباح. وفي نهاية كل إضراب تستجيب الحكومة لمطالب العمال، دون أن تضع حل جذري لمشاكل الشركة وخسائرها.
إضراب الشهرين في 7/12/ 2006
أمام إجراءات الإدارة، وعجز الشركة عن دفع أرباح العمال، اضطر العمال للدخول في إضراب مفتوح، استمر لمدة 3 أيام فقط، بعد أن تدخلت القيادة السياسية، ولكن كشف الإضراب، عن وقوف النقابة بالشركة مع الإدارة، وهو ما جعل العمال يتحركون، لسحب الثقة من ممثلي النقابة، بجمع أكثر من 14 ألف توقيع، في يناير 2007. وهو ما أفرز قيادات عمالية، جديدة في أوساط العمال، مثل السيد حبيب، وفيصل لقوشة، ووداد الدمرداش، ومحمد العطار وغيرهم في جميع قطاعات الشركة.
إضراب ديون بنك الاستثمار العربي في 23/ 9/ 2007
بالرغم من تدخل القيادة السياسية، وإنهاء الإضراب، إلا أن أسباب غضب العمال، وأهمها التخسير المتعمد للشركة، والديون المتراكمة عليها خلال هذه الفترة، دفع العمال للإضراب، بعد أن وصلت مديونية الشركة ل 950 مليون جنيه، دين ثابت لبنك الاستثمار العربي، بفوائد تصل ل 115 مليون جنيه سنوياً. وخلال هذا الإضراب تم القبض على 5 من القيادات العمالية، التي أفرزتها حركة العمال، وكان من ضمن مطالب العمال قبل فض إضرابهم، هو الإفراج عن هذه القيادات. استمر الإضراب لمدة 6 أيام، وفي النهاية انتصرت إرادة العمال، بإسقاط ديون الشركة، وإعادة هيكلة الإدارة والإفراج عن العمال المقبوض عليهم. وطبقاً لقانون الشركات القابضة، رقم 2003 لسنة 91، في حالة إسقاط مجلس إدارة الشركة، يتم تعين مفوض للشركة.
إضراب الحد الأدنى للأجور 6 /4/ 2008
أمام ارتفاع الأسعار، والحالة الاجتماعية والاقتصادية للعمال، اضطروا للخروج للشارع بشكل مفاجئ، رافعين رغيف العيش، في شهر فبراير 2008، للمطالبة بزيادة الأجور، في ظل أزمة اقتصادية عالمية أدت لارتفاع الأسعار. فشلت جهود تهدئة العمال، ليتحول احتجاج العمال لإضراب عام، في 6 إبريل من نفس العام، ومع تدخل بعض الحركات السياسية، التي استغلت الإضراب، تحول الإضراب لعصيان مدني، ليتم اعتقال 7 من القيادات العمالية، وهو ما أدي لحالة من الغضب في المدينة، ليصل الأمر للمواجهة مع الأجهزة الأمنية، استمرت لمدة يومين. قبل أن تدخل القيادة السياسية مرة أخرى، وصرف شهر مكافأة للعمال، و30% علاوة اجتماعية.
وقفات احتجاجية بسبب خسارة الشركة في 30/ 10/2008
كان عام 2008 عام ساخن بالنسبة للشركة، اشتعل مرة أخرى بإعلان الشركة خاسرة 144 مليون جنيه، وهو ما أشعل غضب العمال، الذين نظموا وقفة احتجاجية ضخمة للمطالبة بتغير الإدارة، وفي مواجهة ذلك استخدمة الدولة الحل الأمني، وتم نقل القيادات العمالية خارج الشركة، وتهديد بعضهم بالاعتقال. استمرت الوقفات الاحتجاجية للعمال، لمدة عامين متتاليين، حتى عام 2011 وسقوط نظام مبارك.
إضراب للمطالبة بتغير الإدارة وهيكلة الشركة 16/ 2/2011
بعد سقوط نظام مبارك، نظم العمال إضراباً مفتوحاً، للمطالبة بإقالة المفوض العام للشركة وقف نزيف الخسائر، ونجح العمال في تحقيق مطالبهم، بإقالة المفوض العام وإدارة الشركة. وفي أكتوبر من نفس العام، هدد العمال بالإضراب، بسبب أوضاعهم المالية، وأوضاع الشركة، وانتهى الأمر بلقاء مع وزير القوى العاملة وقتها أحمد البرعى. شهدت هذه الفترة عدة إضرابات، خلال شهر رمضان 2012، ولكن فشل في تحقيق مطالب العمال.
إضراب صرف الأرباح يناير 2013
دخل العمال في إضراب مفتوح، للمطالبة بالأرباح وإقالة المفوض العام لشركة، ونجح الإضراب في الحصول علي الأرباح، وتم إقالة المفوض العام.
إضراب لتحسين أوضاع الشركة يناير 2014
امتنع العمال عن العمل، للمطالبة بتحسين أوضاع قطاع الشركة، وانتهي بعقد لقاء مع المفوض العام وقتها إبراهيم بدير، الذي وعد القيادات العمالية بتحسين الأوضاع وزيادة الإنتاج. وزار رئيس الوزراء وقتها إبراهيم محلب الشركة، لبحث سبل تطويرها، وأمر بتوفير المواد الخام، ووعد بتطوير الشركة.
إضراب المستحقات المالية يناير 2015
أمام أوضاع الشركة التي تنهار كل يوم، وهو ما أثر بالسلب علي المستحقات المالية، التي يحصل عليها العمال، دخلوا في إضراب مفتوح، في شهر يناير 2015، لصرف العلاوة والإعلان الواضع والشفاف عن خططة التطوير، وجدول محدد لتنفيذها، وانتهي الإضراب بتحقيق مطالب العمال المالية.
إضراب الأرباح أكتوبر 2015
بالرغم من الزيارات المتكررة لرئيس مجلس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب وقتها للشركة، لوضع خطة لتطويرها، إلا أن وعود الحكومة بالتطوير لم يتم تنفيذها، وهو ما أضطر العمال للدخول في إضراب مفتوح مرة أخرى، انتهى أيضاً بحصولهم على حقوقهم المالية. أكثر من عشرة إضرابات، خاضها عمال المحلة خلال 10 سنوات بداية من عام 2007، أخرها الإضراب المفتوح الذي يخوضونه الآن، والمطالب واحدة، تطوير الشركة والحصول على الحقوق المالية للعمال. وفي كل إضراب تكتفي الحكومة، بمنح العمال علاوة شهرية، وتترك المصنع بدون تطوير، ليتحول لعبء متزايد على العمال، وشبح يطارد الحكومة بالإضراب.