كلنا نكره السرقة أيا كانت، ولكن نوع من السرقة لا يكرهها أحد، ونحبها حبًا شديدًا، فهم الذين يسرقون قلوبنا بطيبتهم وكرم أخلاقهم وطيب كلامهم وسعة صدورهم وحلمهم وذوقهم في اختيارهم الكلمات، فهؤلاء يسرقون قلوبنا فتسعد بهم. هذا الصنف الطيب والراقي من الناس يسرقون قلوبنا فبرغم حبنا لخالقنا وديننا فإن هؤلاء نعتبرهم كملائكة يمشون علي الأرض، فهم أطياف لطيفة تعبر حياتنا ونسمات رقيقة تسكن الأرض، عرفنا منهم كثيرين بخلقهم الكريم فاستحقوا مكانة متميزة في قلوبنا. ومن صفاتهم تعلو وجوههم الصفحات الطيبة من البشاشة وهدوء النفس والسريرة، والسلام الروحاني ساكن داخلهم فيتجلى ببهائه عليهم، وعندما تحدثهم لا ينطقون كلمة، سوء عن أحد أو يلقبونه بسوء؛ فيفرون من الغيبة والنميمة، كما تهرب الخيل في أرض فسيحة، فالسوء بالنسبة لهم لجام يخنق أعناقهم، ولا ريب أن أرواحهم تهيم شوقًًا لخالقها سبحانه في الدرجات العلى، وتجدهم يدعونك للخير بدون أن ينطقوا وقلوبهم النقية لا تعرف الضغينة والكراهية لأحد؛ ولذلك نحب إرضاءهم ودعواتهم الطيبة ونتلاطف الكلمات معهم. هؤلاء الصنف الراقي من الناس يذكرنا بالكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل في كتابه الحكيم "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ". فالكلمة الطيبة تعمل عمل السحر في النفوس فترطبها من جفاء، وتلين القلب، وتهدئ روع النفس، وتسكن أعماق وجدان الناس، والكلمة الطيبة تبتسم لها الوجوه، وتنتبه لها الآذان، وهي لص خفي، ولكنه أطيب لص في الوجود والكون لأنها تسرق القلوب وتأسرها بحبال المودة التي لا نراها؛ ولذلك نرى شعوب الغرب تتعامل بين بعضهم البعض بالكلمات الطيبة فيضفي على العمل رونقًا من النشاط والهمة؛ فالكلمة الطيبة تدفع للأمام والإنجاز والإتقان والهمة والإخلاص والتفاني والضمير والتقريب بين المتخاصمين. الراحة والسعادة والطمأنينة والسكينة والهدى كلمة طيبة، وخيرات الأرض وخيرات السماء كلمة طيبة، والجنة في السماء وأنهارها وأشجارها كلمة طيبة، وخدمها وزينتها وقصورها ووصفها ينبع من كلمة طيبة، فعندما أمر الله سيدنا موسى "عليه السلام" بالتوجه إلى فرعون بصحبة أخيه سيدنا هارون "عليه السلام" قال الله عز وجل لموسي "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ"، والله قادر على أن يخسف به ومن معه، بل والكون كله، ومن الكلمات الطيبة لأحد الصالحين الذي قال يارب إن فرعون قال أنا ربكم الله، وقد أمرت سيدنا موسى بأن يقول له قولا لينا فكيف يارب بمن قال سبحان ربي الأعلى في سجوده بين يديك الكريمتين. والكلمة الطيبة ضد الكلمة الخبيئة في كل شيء، وقال الله عز وجل عنها: "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ "، ثم يأتي الأمر الحكيم "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ" وكلها كلمات طيبات تعمل عمل السحر في النفوس فتبدل من حال إلى أحسن حال. ومن الكلمة الطيبة مساعدة فقير، وإعالة يتيم، ونصرة مظلوم، وتفريج كرب مهموم، وقضاء حوائج الناس، وإكرام الضيف، وسقي ظمآن، وإن كان طير أو حيوان ففيهما صدقة، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الكلمة الطيبة للنفوس والأرواح أن نضع جباهنا عند عتبة خالقنا سبحانه وتعالى؛ فالسجود بين يديه يجعل الأرواح تسمو في رحاب سكينته، وهي معادلة غير قابلة للجدال ففي سجودنا على الأرض لله نرتقي علوا بين يدي الله سبحانه وتعالي.