لا شك أن الدور الذي يلعبه الإعلام في المجتمعات المعاصرة بات دورًَا متناميًا وصاعدًا بشكل لم تشهده البشرية عبر تاريخها، فالإعلام أصبح المصدر الرئيسي لتشكيل الوعي الجمعي لعموم المواطنين، ولا يمكن لأي نظام في العالم أن يستوعب مفردات دولته دون أن يمتلك وسائل تشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام. وبالنظر إلى أعتى الأنظمة السياسية في العالم وطريقة إدارتها يبرز هذا الطرح بشكل واضح، فالولايات المتحدةالأمريكية أنفقت ما يزيد علي ملياري دولار للترويج الإعلامي لغزو العراق، وإقناع الأمريكين بوجود خطر يهدد البلاد حال استمرار حكم صدام حسين في العراق، بالإضافة إلى تمويل كيانات إعلامية وإعطائها مساحة واسعة من الدعم من أجل تبني رسالة الدولة الأمريكية في هذه الفترة. أيضا يمكن اعتبار قناة الجزيرة القطرية نموذجا صارخا لفكرة التوجيه الإعلامي، وأن الحديث عن الموضوعية والحيادية هو أمر نسبي تحدده البيئة السياسية التي تعمل بها الوسيلة الاعلامية وفقا لأجندتها بما يخدم قضاياها القومية في النهاية، فالدوحة خصصت نحو 600 مليون دولار سنويا لشبكة الجزيرة لتنفيذ أجندة لها علاقة باعادة تشكيل المنطقة بما يضمن لها الوجود كقوة مؤثرة في الإقليم. وحاول الإعلامي والباحث حامد محمود ، المدير السابق لإدارة التحقيقات الإخبارية بقناة النيل للأخبار، إثبات الطرح السابق وتوثيقه من الناحية العلمية، من خلال دراسة بعنوان " نحو وضع مرجعية للتغطية الإعلامية للإرهاب.. رؤية نقدية لسياسات القنوات الإخبارية " قناة الجزيرة نموذجا ". الباحث الذي عمل منتجا للأخبار بقناة الجزيرة القطرية مدة عامين، توصل أن قناة الجزيرة اعتمدت منذ نشأتها على ازدواجية المعايير المهنية التى تطبقها طبقا للأجندة السياسية التي تسعى إليها، مشيرا إلى أنها كانت من أول القنوات والوسائل الإعلامية التي تعاونت مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في آخر التسعينيات من القرن الماضي. وأكدت الدراسة التي أعدها الكاتب من واقع عمله بالقناة القطرية، أن قناة الجزيرة لا تطبق معايير مهنية في تغطيتها للأعمال الإرهابية فهي تساوي على سبيل المثال بين الإرهابيين في سيناء وشهداء الجيش والشرطة التي تتعمد القناة إطلاق لفظة قتلى عليهم وليس شهداء فضلا عن لجوئها للتشكيك بشكل دائم في البيانات الصادرة عن الجيش المصري، وكذلك وزارة الداخلية بشأن العمليات الإرهابية. وهو الحال نفسه بالنسبة للتظيمات الإرهابية التابعة لإيران في البحرين، فهي كثيرا ما توجه تقارير تتهم قوى الأمن البحرينية باستخدامها العنف وعمليات القبض والاعتقال العشوائي في حين أن الأمن البحريني يواجه الاضطرابات الداخلية التي تقف وراءها إيران وتدعمها قطر. الإعلامي الباحث حامد محمود، الذي استقال من قناة الجزيرة احتجاجا على ممارستها وسياستها الإعلامية المعادية لمصر، أشار إلى اتباع القناة المذكورة سياسة قلب الحقائق وشن الحروب الإعلامية والنفسية لتحقيق أهدافها خصوصا في مصر خلال فترة حكم المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي بسعيها لتضخيم ظاهرة الوقفات الاحتجاجية آنذاك، والتي كانت تثور من أجل مطالب فئوية على أنها فشل للمجلس العسكري في إدارة الحكم. قناة الجزيرة ما بين المعايير المهنية والأجندة السياسية. ومنذ انطلاقها في بداية النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي رفعت قناة الجزيرة شعارا أعلنت أنه من ثوابتها وهو "الرأي والرأي الآخر".. وتحت هذا الشعار تبنت إذاعة الرسائل التي بدأ تنظيم القاعدة في بثها، فكانت تبث الرسائل التي يبعث بها أسامه بن لادن زعيم التنظيم وخليفته أيمن الظواهري بدعوى الرأي الآخر وإظهار الحقائق، دون الإشارة إلى كيفية الوصول إلى هذه القيادات المصنفة إرهابية من المؤسسات الدولية والإقليمية. وبالنظر إلى التغطية الإعلامية للقناة سالفة الذكر في أحداث الثورة المصرية لاسيما فترة حكم المجلس العسكري وخصوصا أحداث الحرس الجمهوري، يمكن التأكد من النوايا الخبيثة للقناة، حيث حاولت الجزيرة استغلال الحدث لرسم صورة ذهنية معينة لدى المشاهد وخلق انطباع لديه مغاير لحقيقة العمل الذي حدث وكونه عملا إرهابيا بامتياز، من خلال استخدامها ألفاظ من قبيل "المجزرة" التي قام بها الجيش، وتكرار عرض مشاهد الأحداث من زوايا محددة لترسيخ الصورة الذهنية السلبية عن الجيش، هذا بالإضافة إلى سياسات لاقناة في سوريا وليبيا ودععمها لجماعات المتطرفة من خلال تبني رؤيتهم وإستراتيجيتهم والتوسط في بعض الحلالات لتنفيذ أهدافهم. ومن هنا كان التساؤل عن طبيعة قناة الجزيرة وتحولها الصريح لبوق لجماعة الإخوان في مصر وللتنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وهو ما بدا بوضوح خلال الفترة القليلة الماضية، والتي دفعت بالكثيريين للتساؤل لماذا أعلنت الجزيرة الانحياز الكامل والتبعية لتنيظم الإخوان؟ وهل بذلك سقطت مهنية الجزيرة والتى كانت تعتبرها شعارا ترفعه في كل المنتديات الإعلامية العالمية؟ أم أن المهنية كانت هي ورقة التوت التي تغطيها في أفعالها هذه؟ وكيف كانت تبث الجزيرة عبر قنواتها المتعددة " اعتصام رابعة العدوية والنهضة"؟ وألا يعتبر سرقة البث جريمة قانونية تضاف لسلسلة انتهاكات الجزيرة للمعايير الإعلامية؟، ولعل القضية التى رفعها اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري ضد قناة الجزيرة وطالبها ب 210 مليون جنيه لسرقتها البث خير دليل على ذلك. الجزيرة من قلب الحقائق إلى شن الحروب الإعلامية والنفسية. قلب الحقائق ومحاولة الالتفاف عليها هو نهج دائم اعتادت عليه قناة الجزيرة وتزداد حدته كلما زادت إخفاقات سياسات القناة ومموليها والتعبير هنا لا يدخل في الإطار السياسي وإنما في صميم العمل الإعلامي، فمنذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى وهي تشن حربا ضارية على النظام المصري، ففضلا عن إنتاج مشاهد لتظاهرات محددودة لعناصر إخوانية ومحاولة تصويرها على أنها حاشدة وفي أماكن عدة بتقسيم الشاشة إلى أكثر من نافذة وقد يكون الحدث في الأصل مكانا واحد ويتم تصويرها من زوايا متعددة وفي توقيتات مختلفة. ومثال آخر، الحرب التي يخوضها الجيش في سيناء ضد الجماعات الإرهابية فلا تحدث عملية إلا وتجد قناة الجزيرة أول من يعلن عنها والسؤال يكون هو من أين لها بفيديو هذا البيان؟ ولماذا المسارعة بنشر البيان قبل التحقق من مدى مصداقيته؟ ولماذا لا يتم تصحيح خطأ المعلومات في حالة ثبوت عكس ما أذاعته؟ كذلك لجوئها إلى تصوير الإجراءات التى تتخذها الدولة وتقوم بتنفيذها القوات المسلحة في سيناء كإقامة منطقة عازلة على الحدود للقضاء على الأنفاق مع قطاع غزة على أنها حرب تجويع ضد الفلسطينيين وبث أخبار عن معاناة سكان القطاع بسبب الإجراءات المصرية، والتي في حقيقتها إجراءات لمواجهة الإرهاب كما تخصص مساحات على شاشتها سواء في البرامج أو النشرات لاستضافة من يتحدثون عن الإجراءات المصرية، وكيف أن الجيش يضيق على معيشتهم!! كما توجه مراسليها بقطاع غزة لبث رسائل يومية عن هذا الأمر أيضا. ونهاية فإن أول المهام فى الإستراتيجية الإعلامية لمواجهة الإرهاب هو عدم التعامل مع الأحداث الإرهابية على كونها سبق إعلامي ينبغى التسابق وراء كل معلومة فيه، وكما حدث مرات عدة وهو ما نبه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي مرارًا، فضلا عن التعامل معها على أنها عدوان على الدولة كلها والمجتمع ووضع الأعمال الإرهابية، وكذا نشاطات ومظاهرات المؤيدين وحلفاء لجماعة الإرهابية في حجمها الطبيعي وعدم تسليط الضوء عليها بأكبر من حجمها. حامد محمود