الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 7 يونيو 2025    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب اليوم السبت 7 يونيو بالصاغة محليا وعالميا    بينها «القسوة على الحيوانات».. منفذ حادث كولورادو يواجه 118 تهمة في أمريكا    هدد بوجود قنبلة ليلحق بالطائرة.. اعتقال شاب أمريكي بسبب مكالمة مضللة    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    زيزو يكشف تفاصيل رفض الزمالك عرض الشباب ونيوم    حسام المندوه: تعاقدنا مع الرمادي لهذا السبب.. وسنعيد هيكلة الإدارة الرياضية في الزمالك    محمد الشناوي: الزمالك هو المنافس الحقيقي ل الأهلي وليس بيراميدز    مبالغ خيالية.. إبراهيم المنيسي يكشف مكاسب الأهلي من إعلان زيزو.. وتفاصيل التعاقد مع تركي آل الشيخ    نتيجة وملخص أهداف مباراة المغرب ضد تونس الودية    ملخص أهداف مباراة كرواتيا وجبل طارق في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 36.. حالة الطقس اليوم    ضبط المتهم باقتحام منزل طليقته فى أكتوبر    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    يسرا توجه رسالة إلى تركي آل الشيخ بسبب فيلم «7 Dogs»: نقلة نوعية للسينما    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    وفاة سائق سيارة إسعاف أثناء عمله بمستشفى بني سويف التخصصي    حمدي فتحي: التواجد مع الأهلي شرف لي.. وأثق في قدرتنا على تقديم بطولة مميزة    تجارة الخدمات بالصين تسجل نموًا سريعًا في أول أربعة أشهر من عام 2025    سوزوكي توقف إنتاج سيارتها «سويفت» بسبب قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة    أجواء فرحة العيد في حديقة الحرية أول أيام عيد الأضحى| فيديو    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    "الخارجية الفلسطينية" تُرحب برفع عضوية فلسطين إلى "دولة مراقب" في منظمة العمل الدولية    فولودين: الحكومة الألمانية تثير الصدامات بين روسيا وألمانيا    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    أخبار × 24 ساعة.. المجازر الحكومية تستقبل أكثر من 9800 أضحية أول أيام العيد    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    «الطقس× العيد».. استمرار الارتفاع في درجات الحرارة مع «اضطراب الملاحة والشبورة والرياح» بالمحافظات    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. 42 شهيدا بغزة منذ فجر أول يوم العيد.. انتخابات مبكرة بهولندا في 29 أكتوبر المقبل.. إسقاط مسيرة استهدفت موسكو.. وبوتين يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    فيفا يدخل ابتكارات تقنية غير مسبوقة فى كأس العالم للأندية 2025    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    بصورة مع والدته.. حسن شاكوش يحتفل بعيد الأضحى    اليوم.. فرقة رضا فى ضيافة "هذا الصباح" على شاشة إكسترا نيوز    فرصة مميزة على الصعيد المالي.. توقعات برج الحمل اليوم 7 يونيو    ولي العهد السعودي: نجاح خدمة ضيوف الرحمن نتيجة جهود الدولة في رعاية الحرمين والمشاعر المقدسة    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    احذر من الإسراع في تخزين اللحوم النيئة داخل الثلاجة: أسلوب يهدد صحتك ب 5 أمراض    بعد غياب 5 سنوات، مفاجأة في لجنة تحكيم "ذا فيوس كيدز" الموسم الجديد    ترامب: ماسك فقد عقله ولا أنوي الحديث معه الآن    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    رئيس الشئون الطبية ب التأمين الصحى يتفقد مستشفيى صيدناوي والمقطم خلال إجازة العيد    رواتب مجزية| 25 صورة ترصد آلاف فرص العمل الجديدة.. قدم الآن    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة
نشر في بوابة الأهرام يوم 19 - 07 - 2017

السلم الضيق ينحني بحدة، تتحول الدرجات عند كل دوران إلى قطع مثلثة ضيقة، حاذر أن تنزلق قدمه ويقع. لم يعد يذكر في أي طابق تقع شقتها، لن يسأل أحدًا وسيتبع إحساسه. عند الطابق الثاني وقف قليلًا ليسترد أنفاسه، ثم دق باب الشقة المقابلة للسلم. إنها هي، لا يمكن أن أخطئها. فتحت الباب فتاة صغيرة، سألها بابتسامة:
طنط هالة موجودة؟
- حضرتك عاوز طنط هالة اللي في الدور التالت؟
فيه طنط هالة تانية؟
لأ، في الدور التالت بس.
صعد إلى الطابق الثالث، دق الباب المواجه للسلم ثانية، فتح الباب هذه المرة رجل، نظر إليه مستفهمًا، سأله فأشار بصمت إلى الشقة المقابلة. حين فتحت لم يعرفها على الفور، شيء في عينيها أكد له أنها هي. ابتسمت مرحّبة. تبعها إلى الداخل. عبرا غرفة الطعام إلى الصالون. جلس على المقعد العريض المواجه للشرفة. سألته مبتسمة:
لسه فاكر العنوان؟
طبعًا، مش ممكن أنسى بيتك. حتى شجرة التوت لسه زي ماهي مغطية البلكونة.
دي مانجه مش توته..شفت إنك نسيت!
أبدًا، بس المسافة طويلة، تلاتين سنة مش شوية..
اتنين وتلاتين.
أه طبعًا، مدة طويلة. أزي أخبارك؟ عرفت أنك كنت بعافية، خير؟ قلت أمر أسلم عليك قبل ما أسافر.
متشكرة.. فيك الخير.الحمد لله شوية تعب وراحوا.. أنت مسافر تاني؟
أيوه، لازم أسافر علشان الشغل.
مش ناوي ترجع؟ كفاية غربة وأنت لوحدك..
خلاص اتعودت، لكن عرفت منين أني لوحدي؟
نظرت إليه معاتبة، تطلعت عبر باب الشرفة المفتوح:
إزاي، ده إحنا قرايب، لازم أعرف أخبارك واطمن عليك.
تطلع حوله:
أظن أن كل حاجة في مكانها في البيت، السفرة والصالون وأوضة الحاجة الله يرحمها. زعلت قوي لما عرفت.
- ماكنتش أتصور أنك ممكن ما تجيش.
- كان عاوز أجي أعزيك لما رجعت، لكن خفت جوزك يضايق.
إحنا قرايب.. وأحمد الله يرحمه ما كانش حيقول حاجة لما تيجي تعزيني.
هو كان عارف إن إحنا كنا بنحب بعض من زمان، أنا حسيت أنه أتضايق لما جيت أزوركم قبل ما أسافر سنة حاجة وتمانين...
سنة 83، حتى أنت جيت في نفس اليوم اللي قلت لي فيه قبليها بسنة إنك بتحبني... افتكرت إنك قاصد..
نظرت تجاهه. قال متسائلًا:
نفس اليوم؟! أنا كنت مسافر بعديها بكام يوم.. وقلت لازم أسلم عليكم قبل ما أسافر. أنت كنت خلاص ارتبطت..
أه، يبقى أنا فهمت غلط، حسبتك كنت جاي علشان كده...
تطلع حوله صامتًا. أشار إلى ممر يُفضي إلى ثلاث غرف داخلية:
فاكرة لما كنت بآذاكر لك رياضيات وكنتِ ما بتحبهاش أبدًا؟
قالت بخفوت:
أيوه فاكره.
لسه مكتبك موجود؟
أيوه..
ممكن أشوفه؟
تطلعت صوبه، ثم قامت.. قالت:
أتفضل..
تبعها إلى الغرفة الخارجية الملاصقة لمدخل الممر. لاحظ أنها تتلمس طريقها وتقف أحيانًا. تدقق النظر فيما حولها. تحسست مقبض باب الغرفة المغلق وفتحته برفق. حين دخل الغرفة هبّت عليه نسائم ذكرى قديمة مُبهمة كصور حلم لحظة الاستيقاظ من نوم طويل، لا يستطيع أن يمسك بها. لهنيهة عابرة، شعر بدفق دافئ يسري في قلبه، ماء نبع قديم. قال:
المكتب!
ابتسمت قائلة:
لسه فاكرُه؟
- والبنورة زي ماهي، الحرف مكسور! متهيئلي لو فتحت الدرج اللي على اليمين حلاقي كتاب الرياضة!
فتح الدرج قبل أن يستأذنها. وجده مليء بأوراق جرائد مصفرة وصور قديمة، همّأن يغلقه ولكنه لمح صورته بين الأورق. قلّب الصور بأصابعه فوجد أن أغلبها صورله في أوقات ومناسبات مختلفة، منها صورة في حفل زواجه، يقف مبتسمًا وذراعه تحتضن عروسه. دفعت الدرج وأغلقته قائلة بصوت مرتعش:
تعالى نقعد في الصالون.
عادا صامتين إلى الصالون. سألها وهو يتطلع إلى أغصان الشجرة العملاقة وفروعها القريبة:
كنت لسه فاكره؟
عمري ما نسيت..
لكنك وافقت عليه.
قلت لك مرة قبل كده، لو جيت وخدتني كنت هربت معاك. لكن ما كنتش أقدر أقف لوحدي قصادهم. كان عندي ستاشر سنة وماما أصرت، قالت لي إنك مش بتاع جواز، خافت من السياسة والسجن. ماقدرتش أقول لأ. وأنت سبتني لوحدي..
قالوا لي إنك وافقت وإني لسه صغير على الجواز.. أه كان وجع لكنه راح من زمان..
التفتت إليه منفعلة:
فضل الوجع معايا ما سبنيش، كل حاجة فضلت جوايا. عمره ما راح! كان فيه حد تاني بيمشي ويتحرك ويتكلم ويتجوّز ويخلّف! كنت أنا زي ما أنا، عمري ما نسيت. حتى لما كنا صغيرين، فاكرة كل حاجة كأنها حصلت إمبارح، نفس الإحساس ونفس فرحة قلبي لما كنت باشوفك.. كنت متابعة أخبارك، لما تأخرت في الجواز قلت إنك مستني نرجع لبعض.. لما تجوزت قلت إنك بتعمل كده غصب عنك. عيّطت ليالي لوحدي.. ولما أحمد الله يرحمه مات وأنت عارف أنه كان أكبر مني بعشرين سنة، قفلت البيت وجيت قعدت هنا في بيت ماما، علشانك! قلت لما تيجي لازم تلاقيني باستناك في البيت اللي لعبنا فيه وإحنا صغيرين..
أضافت بخفوت:
البيت ده. الأوضة دي اللي قلت لي فيها إنك بتحبني، ومسكت أيدي فيها، جوه جنب المكتب.. كنت خايفة لحد يشوفنا، لكني كنت طايرة.. استنيت بعدها أنك تيجي وتدق الباب، تسأل عني! عشرين سنة وأنا مستنية دقتك، باحلم بيها.
صمتت وتطلعت بعيدًا. قام ووقف خلف الباب الزجاجي للشرفة، أقترب منها، نظرت إليه بوجه متسائل مليء بالانفعالات، أشارت إليه ألا يقترب.
سألها بعد قليل:
أخبار نادية أيه؟
- كويسة، لما عرفت أنك جاي كانت عاوزة تيجي تسلّم عليك وتشوفك، تلاقيها مش عارفة شكلك غير من الصور، بس ابنها عنده تدريب في النادي.
- عندها ولد وبيتدرب! ما شاء الله. الدنيا جريت.
قالت:
- طبعًا.
ثم أردفت:
- ممكن تيجي في أي وقت، أصلها سمعت عنك وعاوزة تشوفك، ماما حكت لها عنك. وأنت أخبارك أيه؟ ما اتجوزتش ليه بعد الله يرحمها؟
- أنا خدت نصيبي خلاص.
ثم أضاف:
- عمومًا أنا حبيت أطّمن عليك، والحمد لله أنك كويسة وبخير. لو عاوزة حاجة كلميني.
ابتسمت..قام ليذهب.
- ماشي؟! مش حتستنى نادية؟؟!
- لازم أمشي، أصلي مسافر بكره.
سارت خلفه توصله إلى باب الشقة وفتحته. مد يده..احتضن يدها، سحبتها وهي تدير وجهها:
- مع السلامة!
خُيّل إليه أنه لمح دمعة معلّقة في عينيها. سأل نفسه وهو ينزل السلم الضيق، ماذا لو كان قد عرف؟ عشرون سنة مرت منذ أصبحا وحيدين، هو وهي.. ماذا لو كان قد زارها قبل الآن، من عشرين سنة؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.