الكاتب أحمد سراج، أحد الذين خاضوا مجالي الشعر والمسرح، باحثًا عن طابع خاص؛ يغذيه ما هو مشترك بين الفنين؛ فيبدو لقارئه عند مطالعة مسرحه حضور الشعرية في اللغة بصورة أو بأخرى، فيما يبدو أنه يحاول الإفادة من تقنيات المسرح، وما تحمله من فاعلية، في كتاباته الشعرية. "بدأ المسرح شعرًا، ومنه ما صنع فرجيل ويوربيدس وشكسبير وشوقي وعبدالصبور، والمتابع للكتابات العربية والغربية، يجد أن مسألة الحدود بين الأجناس الأدبية لا تعني أن يكتفي الشاعر بالشاعر، وألا يفكر الروائي في كتابة المسرح". هكذا يقول سراج عن العلاقة بين الشعر والمسرح، والجذور المشتركة بينهما. ويضيف في حوار ل"بوابة الأهرام": من ناحية الإفادة والإضافة، فكل جنس يفيد الآخر، ربما لن أحسن التشبيه، لكن ألا تفيد الإنسان أنواع اللحوم المختلفة؟ أتستغني امرأة بحلية دون أخرى؟ أتستقيم الحياة بالماء فقط؟ أتستغني عن الأطعمة وعن اختلافها؟ وعن تجربته، وما يبدو أنه محاولة للإفادة مما تتيحه أدوات كلا الفنين، يقول: بالنسبة لي، فالتعلم الدائم والقراءة المستمرة في مختلف المجالات، ومتابعة الأحداث باستمرار، هي مظان زادي، أما بخصوص سؤالك؛ فمن يزن الكلمة مثل شاعر؟ لا أحد. من يصنع التوتر كالمسرحي؟ لا أحد. ويتابع: يمكن أن يبلغ حد الإفادة، أن تقوم قصيدة على المسرح كما جرى في قصيدتي: "الدعوة عامة" من ديواني "الحكم للميدان"، بل إن ديواني – غرب الحب الميت – قائم على نفس شعري، من خلال التحاور مع شخصيات الملاحم والنصوص المسرحية الكبرى. "في كتابتي للمسرح لاحظت تركيزًا من القراء على شعرية اللغة، ولاحظت حديثًا عن التكثيف غير المخل، للشعر حضور ما لا يمسك إلا بقدر إفلاته. بكلمة: الشاعر يرى، والمسرحي يصنع لحظة التحول. وعما يراه من اختلاف بين الخوض في كل من المجالين، يقول: تختلف كتابة كل قصيدة عن سابقتها؛ فالإنسان لا ينزل النهر مرتين، بل كل مرة يكون خلقًا جديدًا. في الشعر أنت تكتب نفسك. أذكر قول الشاعر جمال القصاص لي: إنه يشفق على الشعراء الذين يكتبون الرواية، لأنهم لا يعبرون عن أنفسهم. في الشعر تستطيع أن تحدد مكان الشاعر من العالم، زاوية إبصاره، يقينه وشكه، إيمانه وكفره. ويضيف: في المسرح أو الرواية أو القصة لا مكان لكاتبها وإلا فسد النص، لو تحدثت شخصية بلسانك فسد الأمر كله؛ فلست واعظًا على جبل، ولا يمكن أن تعطي لشخصية قوتها لأنها تعبر عنك. في هذه الفنون، ثمة صانع مختف آية مهارته اختفاؤه، في المسرح يكتوي المسرحي دون أن تراه؛ فهو يريد لكل شيء أن يظهر في لحظة تحوله. يقولون، إن الشاعر هو سارق النار ليحيلها للناس شيئًا جميلا، المسرحي هو صانع النار الملتهبة. وعن أعماله التي انتهى منها، ومشروعاته المستقبلية، يقول: أنهيت تقريبًا مسرحية "لمسة البعث"، وهي مسرحية شعرية، تستحضر لحظة عودة ابن زيدون في الثامنة والستين من عمره إلى قرطبة، ومحاولته لقاء محبوبته ولادة. "الخطط التي أمامي كثيرة؛ فكتابي عن رفعت سلام "النهار الآتي" وهو مجموعة من الدراسات والشهادات والحوارات لما أنجزه الشاعر شعرًا وترجمة ونقدًا، وهناك مسرحيات منها "متاهة الغريب" – وهذا اسم مؤقت - وبطلها الرئيس الخفاجي عامر، ومسرحية بطلها المعتمد بن عباد، لم أضع لها اسمًا بعد، إضافة إلى حاجتي لمراجعة ديوان "غرب الميت". يتنوع الكتاب في دوافعهم للكتابة، ومصادر إلهامهم؛ ففيما تدفع بعضهم التجربة، تقوم الفكرة المجردة القائمة على الاطلاع بهذه الوظيفة لدى البعض الآخر. وعن ذلك يقول سراج: حين أقرر العمل على موضوع، يأتي ذلك غالبًا من واقع ما يجري حولي، أو قراءتي أو هما معًا – وعلى الحقيقة فالقراءة والظروف لا ينفصلان - "القرار" مثلا دفعني لكتابتها صعود مسلسل التوريث في مصر، وقراءتي لقصة معاوية الثاني والضحاك بن قيس وحرة واقم. ويضيف: حين أختار فكرة للكتابة، فإن أول ما أفعله هو البحث عما كان عنها، خذ مثلًا "بطل الغروب" وبطلها الرئيس الزناتي خليفة، كان علي أن أطلع على ما أستطيع من نصوص ومرويات تتعلق بحكايته، منها السيرة الهلالية مسموعة لمختلف الرواة، وإن كانت رواية جابر أبو حسين، هي أكثر ما اعتمدت عليه، إضافة إلى السيرة مكتوبة ومجموعة لأكثر من باحث، ثم مسلسل أبوزيد الهلالي السوري، ثم ما توفر لي من كتب السيرة الهلالية ونقدها في المغرب العربي، وقرأت ما كتب من مسرحيات عن السيرة، خصوصًا أعمال عبدالغني داود، وهي خماسية متكاملة، وقمت بعمل جلسات مع المتخصصين في السيرة الهلالية، وأذكر بالامتنان أحمد شمس الدين الحجاجي؛ فهو أوفى مصدر عن قصة الزناتي خليفة، ولملاحظاته على النص مخطوط بالغ القيمة. يبدي صاحب "زمن الحصار" إعجابه بالشاعر والمسرحي الراحل نجيب سرور، وعن سرور يقول: دون كيشوت النبيل. هذا هو نجيب سرور بالنسبة لي، الباحث عن القيم والمثل والفضائل. مات كالأبطال يبحث عن بطولة. ولم يجد في الطريق سوى اللصوص، فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص. وعن الوسيلة التي استطاع بها سرور أن يحقق هذه الشعبية على مستوى الشعر والمسرح على حد سواء، هذه الشعبية التي استمرت لعقود، يقول سراج: ما قدمه سرور للأدب العربي يؤكد قيمة الكتابة الحقيقية المتعددة، ودعني أطرح السؤال بشكل مختلف: أين الشاعر الذي يكتب الشعر فقط؟ أين الرواي الذي يفعل هذا؟ لكن المسألة أن هناك من يبرع في فن فيغطي على الآخر، نعرف نجيب محفوظ الروائي ثم القاص فكيف بكاتب المقال؟ وكيف بالمسرحي؟ لقد كتب نجيب محفوظ إحدى عشرة مسرحية فهل سمع بها أحد. "علينا أن نكتب ونكتب ونكتب. وللتاريخ حكمه. يحكم على إليوت بأنه شاعر الحداثة لديوان "الأرض اليباب"، فيما هو ناقدٌ ينتصر للقدماء؛ ما حدا لويس عوض إلى أن يلقبه بالشاعر الرجعي العظيم. ويردف: يعرف الناس الآن ابن الأبار، بأنه من آحاد مؤرخي الأندلسي، فيما عرف في عشرينيات القرن الفائت، بأنه مؤرخ المغرب، وهو إلى ذلك شاعر مجيد. فلنزرع ولا ندري أي الأشجار يتفيؤها الناس الآن وأيها غدًا. يذكر أن سراج صدر له من قبل، عدة أعمال تتنوع بين الشعر والمسرح، من بينها: ديوان "الحكم للميدان"، مسرحية "القرار"، مسرحية "فصول السنة المصرية"، وغيرها.