معادلة صعبة تتناثر مسئوليتها بين نظام التعليم الجامد والعاجز عن مواكبة متطلبات سوق العمل والظروف الاقتصادية غير القادرة على الانفاق على البرامج التدريبية المستحدثة ونظرة المجتمع الدونية إلى المهن والتعليم الفني. من حصيلة هذه الظروف والمسببات السابقة تُعاني المؤسسات الخدمية والصناعية والزراعية والتجارية من ندرة في العثور على العامل الماهر المدرب، في الوقت الذي تتصاعد فيه معدلات البطالة سنويًا بين شباب الخريجين. حتى أن هناك حربا شرسة بين هذه المؤسسات لاستقطاب وجذب العامل الماهر. نظرة المجتمع إلى المهني أو الفني لا تزال دون المستوي لارتباط ذلك بالزواج والمصاهرة فلا تزال الأسر المصرية تتكالب علي إلحاق أبنائها بالتعليم الجامعي حتي ولو لم يعثروا على فرص عمل بعد تخرجهم بحسب كلام محمد السويدي مسئول التدريب باتحاد الصناعات. كذلك، يضيف السويدى، معظم خريجي الجامعات يرفضون التدريب التحويلي بعد التخرج حفاظًا علي نظرة المجتمع إليهم مشيرًا إلى الصحافة والأفلام والمسلسلات لا تزال تجسد وتدعم هذه النظرة الدونية للتعليم الفني. ويقول السويدي إن الشركات والمصانع تكتفي بتدريب من يقع عليه الاختيار فقط للعمل بها لأن هذه العملية مكلفة للغاية، علاوة علي أن التدريب لا يقتصر على فترة زمنية محددة بل يستمر مدى الحياة. أما طارق أحمد متولي مسئول التدريب بشركة شمال القاهرة للكهرباء، فيقول إن العمالة الماهرة إما أنها هاجرت للخارج سعيًا وراء الرواتب المغرية أو أنها تتضاءل بسبب الشيخوخة والمرض، مشيرًا إلى أن مستوي جميع خريجي الكليات الجامعية الحكومية بما فيها كليات الهندسة "صفر"، بل ويدخل تحت هذا التقييم خريجي المدارس الفنية العامة لأن المناهج التي تدرس لهم بدائية وعقيمة، علاوة علي غياب المعامل والماكينات الحديثة. يقول أيضاً إن الشركة تقوم بإجراء تدريب عملي لمدة 4 أيام أسبوعيًا لطلاب مشروع مبارك- كول للتعليم الفني لمدة 3 سنوات وكذا مدرسة أحمد جلال الصناعية على مدى 5 سنوات، لذا فهؤلاء الخريجون لا تجد خريجًا واحدًا عاطلاً، حيث يتهافت عليهم السوق مشيرًا إلى ان هذه البرامج التدريبية تأتي في إطار جهود الدولة للتغلب علي البطالة. أما عن نظام التدريب التحويلي لخريجي الجامعات فيقول متولى أنه فشل بسبب عدم رغبة الشباب في تعلم مهنة أو حرفة، خشية من نظرة المجتمع إليهم علاوة علي ذلك فإن هؤلاء الشباب كانوا ينضمون لهذه البرامج للحصول على مبلغ ال300 جنيه التي تمنح للخريج . ويرى متولى أن خريجي المعاهد والكليات الخاصة ذو خبرة عملية أكثر من خريجي الكليات الحكومية التي تفتقر إلى برامج التدريب. ولكن هناك بعض المحاولات للتغلب على نقص التدريب، كما يؤكد أحمد بيومي عضو جمعية رجال الأعمال بالإسكندرية. يقول بيومى أن الجمعية تتبني تنفيذ مشروع "من المدرسة إلى العمل" بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمجلس الرئاسي المصري الأمريكي وأن المشروع يطبق على عدد من المدارس الفنيه في الإسكندرية، حيث يجمع الطالب فيه بين الدراسة في هذه المدارس والتدريب في المصانع والشركات حتي تخرجه، ليلحق فورًا بسوق العمل حيث يقضي الطلاب 4 أيام اسبوعيًا في المصانع. ولكن المشكلة كما يراها الدكتور محمد البهي نائب رئيس غرفة الصناعات الدوائية باتحاد الصناعات ورئيس شعبة مستحضرات التجميل، أن قيم العمل الايجابية لم تتجسد بعد لدي الغالبية من العمال المصريين. ويضيف البهى أن التجربة في الصين واليابان وكوريا وغيرها من الدول التي نجحت في غزو الأسواق الخارجية بالعمالة الماهرة اعتمدت على نجاح العامل في الإنتاج المتميز وبأداء إنتاجي عالي، وهذا يستلزم برامج تدريبية متواصلة على يد أصحاب الخبرات التراكمية خصوصًا ًمن وصلوا إلى سن التقاعد، كما تفعل أوربا ويجب أن يتم توزيع برامج العمل بشكل جغرافي وفقًا للتجمعات الصناعية كما فعلت ماليزيا التي تنعدم فيها نسبة البطالة. ويطالب البهى بمراجعة مستمرة لأساليب التدريب من خلال تطبيق نظرية الثواب والعقاب وإعادة تأهيل المدربين ذاتهم. من جانب آخر يؤكد حامد موسي رئيس شعبة المنتجات البلاستيكية باتحاد الصناعات إلى ان الشعبة وقعت بروتكولا مع وزارة البيئة لإقامة أكاديمية متخصصة في صناعة البلاستيك، وتكون مهامها الأولي تدريب العمالة وإعدادها وفقًا لاحتياجات سوق العمل ومدة الدراسة بها عامان بتكلفة مبدئية مليوني دولار. ويضيف موسى أن الشعبة تتعاون مع مركز تحديث الصناعة فيما يتعلق بإعادة توصيف المهن في مجال صناعة البلاستيك باعتبارها صناعية حيوية في المجتمع، حيث يتم تدريب العامل لأكثر من 18 شهرًا لتخريج صانع ماهر متخصص في أحد فروع الصناعة وهو اتجاه لاقي قبولاً كبيراً من الصناع وتنفيذه جار بنجاح للعام الثالث على التوالي. لكن أدهم نديم المدير التنفيذي لمركز تحديث الصناعة، يؤكد أن تدريب وإعداد العمالة هدف قومي للحكومة بدليل أنها رصدت لهذا الهدف ميزانية ضخمة بلغت 1،1 مليار جنيه العام الحالي 2010 -2011. وتخصص 40 في المائة من هذه المبالغ لأعمال تدريب ورفع مستوي الكوادر البشرية العاملة في مختلف القطاعات القتصادية مع وضع في الاعتبار الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والاستفادة من الخدمات المحلية في تحقيق قيمة مضافة للارتقاء بجودة المنتجات وزيادة الإنتاجية مشيرًا إلي أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يدخل ضمن هذه القطاعات الاقتصادية أيضًا. ورغم أن نديم يرى أن الدولة يقع عليها العبء الأكبر في تطوير نظام التعليم بصورة شاملة وخصوصًا التعليم الفني لتحديث مناهجه والاستفادة من خبرات الدول الناجحة في هذا المجال، لكنه يؤكد أن تبقي المسئولية الاجتماعية والاستثمارية على رجال الأعمال في إقامة المدارس الفنية وتطويرها لتخريج عمالة ماهرة تحقق لهم عوائد مالية كبيرة، وعندئذ تحقق الدولة معدلات تنمية عالية ويستفيد العمال بأجور ومكافأت مرتفعة، ويحقق صاحب العمل عوائد وأرباح كبيرة.