لم يكن سعيد صبري الخمسينى، الذي يعمل مقاولاً معماريًا وظل طوال عمره بعيدًا عن البنوك، يتوقع أن يفتح حسابًا أو أن تطأ قدميه باب القطاع المصرفي المصري، لكن رأيه تغير بسبب رسالة نصية على هاتفه من شركة الاتصالات التي يتعامل بها تفيد قيام البنوك بفتح حسابات للعملاء دون مصاريف. "صبرى"، مثله مثل ملايين المصريين الذين لم يتعاملوا مع البنوك من قبل لكن فكرة الشمول المالي بدأت تجتذبهم بصورة غير مباشرة عن طريق الإعلانات، إذ اتخذ خطوته بعدما سئل عددًا من أصحاب الحسابات عن الأفضل واستقر على واحدٍ منها. وتبنى البنك المركزى مبادرة بمناسبة أسبوع الشمول المالي بمصر عن طريق فتح حسابات للعملاء الجدد دون مصاريف ودون حد أدنى لفتح الحساب تحت شعار حساب لكل مواطن. وعندما علم صبرى بأن هناك سيارة متواجدة بمركز الشباب التابع لقريته بالقليوبية، توجه على الفور ليجد زحاما عليها ، وبعد دقائق معدودة أصبح له حساب بالبنك، مغيرًا تصوره القديم عن تعقيدات يمكن أن تواجه عند التعامل مع القطاع المصرفى ومصاريف يفقدها من حسابه الأصلي. كانت تلك بداية قصة تعامل "صبرى" مع امتلاكه حسابا بنكيا لأول مرة، والتى رواها ل"بوابة الأهرام "، لكنه لايزال إلى حاجة من التثقيف ومعرفة الشمول المالى الذي سمح له بأن يحصل على حساب مجانى بالبنك، وأمور كثيرة تتعلق بتعامله فى المستقبل إذا أراد أن يضع أموالا فى حسابه أو أن يقوم بسحبها ، على حد قوله بعد أن أصبح التعامل مع البنوك أمر محبب بالنسبة له. وعلى الرغم من أنه لم تصدر أية بيانات رسمية فى الحسابات الجديدة فى ظل أسبوع الشمول المالى، إلا أن التقارير المبدئية أشارت إلى أن هناك نحو 70 ألف حساب جديد نجحت البنوك الكبرى فى استقطابهم من خلال حملات التوعية والمشاركة فى أسبوع الشمول المالى. وتستهدف مصر زيادة معدل الادخار من 5.8٪ عام 2015/2016 ليرتفع تدريجيًا ليكون في حدود 11٪ عام 19/2020، بينما يخطط القطاع المصرفي الوصول بعدد عملاء البنوك إلى 50 مليونًا خلال السنوات المقبلة. والشمول المالي فى أبسط معانيه يعني أن يتم توفير جميع المنتجات والخدمات المالية والمصرفية لأكبر عدد من الأفراد والمؤسسات خصوصًا فئات المجتمع المهمَّشة من ذوي الدخل المحدود ومن خلال القنوات الرسمية وابتكار خدمات مالية ملائمة وبتكاليف منافسة وعادله وذلك لتفادي لجوء تلك الفئات إلى القنوات والوسائل غير الرسمية مرتفعة التكاليف والتي لا تخضع للرقابة والإشراف. وقال محسن عادل، المحلل المالي، إن الشمول المالي يلعب دورًا اجتماعيًا مهمًا، من حيث الاهتمام الأكبر بشريحة محدودي ومتوسطي الدخل وكذلك المرأة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال ضمان وصول الخدمات المالية لهم. وأضاف أن الحكومة المصرية أولت اهتماما كبيراً بالشمول المالى، تجسد فى تدشين رئيس الجمهورية للمجلس القومي للمدفوعات، بهدف خفض استخدام الأوراق النقدية خارج القطاع المصرفي ودمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفي وضم القطاع الغير رسمي إلي القطاع الرسمي مما يساهم في تخفيض تكلفة انتقال الأموال وزيادة المتحصلات الضريبية، فضلا عن العديد من المبادرات مثل تطبيق مشروع تكافل وكرامه ومبادرة المركزي لتمويل محدودي ومتوسطي الدخل. وبحسب الإحصائية التى أجراها الاقتصادى الشهير فرناندو دوستو، تقدر نسبة الاقتصاد غير الرسمى بمصر بنحو 395 مليار دولار، أي ما يعادل 2.6 تريليون جنيه ، فيما تشير آخر الإحصاءات الحديثة لاتحاد الصناعات المصرية والتي اعتمدت فقط على رؤس الأموال المتداولة في السوق المصري وغير مشتملة العقارات غير المسجلة، إلى أن حجم الاقتصاد غير الرسمى في مصر بلغ نحو تريليون جنيه والذي يمثل 60% من الاقتصاد الكلي. أما رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية، شريف سامي أكد أن هناك اهتماماً متزايدًا بمصر بتحقيق الشمول المالي من خلال استحداث منتجات وخدمات مالية تستهدف محدودي الدخل وغيرهم من الفئات المهشمة ماليًا غير المستفيدة من التعامل مع المصارف وغيرها من جهات التأمين أو التمويل. وشدد سامى على دور البنك المركزى في التوسع بالشمول المالى بمصر، حيث أن تحقيق الشمول المالى وفتح حسابات بالبنوك يساعد قطاعات واسعة من العملاء مثل أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والمرأة والشباب وغيرهم على الاستفادة من المزايا المتعددة التى يتيحها النظام المصرفى والخدمات المتميزة. وكشف تقرير جلوبال ميكروسكوب 2016 ،الصادر سنوياً عن مؤسسة الأيكونوميست ويستعرض أوضاع الشمول المالى فى العالم، عن تقدم مصر بمركزين فى الترتيب و10 درجات فى مقياس الشمول المالى منذ عام 2014. جدول يوضح نسب الشمول المالي لبعض الدول ورأت الدكتورة منى البرادعى، الرئيس التنفيذى للمعهد المصرفى، أن تحقيق الشمول المالى يعتبر تحديًا كبيرًا فى دول العالم الثالث، لذلك فإن تحقيقه يتطلب مزيدا من الإجراءات التى تعمل على نشر تلك الثقافة بين كافة أطياف المجتمع. وأشارت إلى أن نسبة المتعاملين مع البنوك فى مصر لا يتعدون ال14% من إجمالى السكان، رغم أن 67% من السكان فى مصر ضمن شريحة الشباب مشددة على ضرورة العمل على طرح منتجات بنكية مبتكرة لجذب شرائح مختلفة من العملاء. وأكد رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي السيد القصير أن توسيع دائرة الاستفادة من الخدمات المالية والمصرفية، لجميع فئات المجتمع، أمر هام وضروى خلال الفترة القادمة. ولفت إلى أن هناك 2.5 مليار نسمة في العالم لم تصل إليهم الخدمات المالية والمصرفية، والمستفيدين في مصر من الخدمات المالية والمصرفية حوالي 12.5 مليون نسمة، بالمقارنة بعدد الأصوات الذين لهم حق الانتخاب نجد حوالي 60 مليونا. ووفقًا للبنك الدولي، لا يحصل نصف البالغين في أنحاء العالم، أو نحو 2.5 مليار نسمة، على خدمات مالية رسمية، و75% من الفقراء لا يتعاملون مع البنوك بسبب ارتفاع التكاليف، وبُعد المسافات، والمتطلبات المرهقة في غالب الأحيان لفتح حساب مالي. ولا يدخر سوى نحو 25% من البالغين في العالم الذين يكسبون أقل من دولارين للفرد في اليوم أموالهم في مؤسسات مالية رسمية. وحدد القصير عدة خطوات من أجل زيادة نسبة التضمين المالي بمصر منها ضرورة زيادة دائرة الاستفادة من الخدمات المالية والمصرفية للمواطنين، وحسن إدارة أموالهم بطريقة آمنة وسليمة داخل القنوات الشرعية، المحافظة علي الاستقرار النقدي والمالي، تحقيق معدلات نمو للاقتصاد القومي، إعادة توزيع وتحسين مستوي الدخول، تنمية لمحدودي الدخل من خلال إدارة أموالهم، تحقيق الاستدامة المصرفية، وتحقيق تنمية احتوائية" تشمل كل فئات المجتمع والسكان". وعن تجربة إحدى الدول الشقيقة فى تجربة الشمول المالي اشار محمد الكتانى، رئيس وفا بنك المغربي، أحدث البنوك الداخلة للسوق المصرية، إلى أن نسبة الشمول المالى في السوق المغربية بلغت 61%، ويرجع الفضل في ذلك إلى العمل العمل استقطاب جميع الفئات وتقديم الخدمات المصرفية بأسعار منخفضة جداً، كما أننا عملنا على تحويل فروع البريد المغربي إلى بوست بنك، الأمر الذي ساهم في زيادة قاعدة المتعاملين ممن لديهم حساب مصرفي. ولفت إلى أنه يمكن تطبيق عدد من الخطط فى السوق المصري ، كأن يتم إنشاء شركة متخصصة تابعة للبنك فى إدارة أموال المصريين فى الخارج وعدم الاقتصار على كون البنوك مجرد محول لنقل تلك الأموال للداخل. رفع نسبة الشمول المالى فى مصر لتحتل مراكز متقدمة بين الدول، ليس أمرا صعبا، لكنه يحتاج إلى إجراءات تطبق على أرض الواقع ، إما بالاستفادة من تجارب الآخرين أو تطبيق مناهج جديدة وأفكار خارج الصندوق لكن الأمر يتطلب مزيدا من التثقيف والتوعية والدعاية لأهمية الشمول المالى كقناة لاستخدام "الكاش" بشكل "آمن" وزيادة قاعدة المتعاملين وتحقيق الركائز الأساسية لتعزيز مفهوم الشمول المالى.