لم ير أحمد نصر (18 عاما- طالب) أي نائب في السيدة زينب غير فتحي سرور، ولم تعرف والدته وفاء سيد أحمد (42 سنة – موظفة) نائبا عن المقطم والخليفة غير فايدة كامل، قبل أن تنتقل للسيدة زينب بعد زواجها، أما نيرمين رشاد (25 عاما) فلم تر غير زكريا عزمي نائبا للزيتون التي تسكن فيها، واليوم انطلقوا جميعا للاختيار من بين عشرات المرشحين في أول انتخابات بعد ثورة يناير، حيث يقبع أباطرة عهد مبارك في السجن، بينما يتزاحم الآلاف للإدلاء بأصواتهم. هناك نواب كانوا يميزون دوائر بعينها ليصبحوا من أهم السمات التى تميزها، لدرجة أنه لا يوجد مرشح آخر يستطيع الترشح أمامهم، فأصبحت هناك دوائر مغلقة على أسماء بعينها، سواء كانوا نزلاء ليمان طرة مثل فتحي سرور وزكريا عزمي وأحمد عز، أو كانوا مرشحين فى محافظات مصر بشكل عام، حيث كان نفوذ السلطة أو المال يجعل هذه الدوائر مضمونة بالنسبة لهم. لم يتخيل أحد انتخاب نائب آخر على مقعد الفئات بدائرة السيدة زينب سوى "سرور"، حيث إنها من أشهر الدوائر الانتخابية فى القاهرة لأن أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، ظل يمثلها لمدة 20 عاما متتالية، وهي المرة الأولى التى تجرى فيها الانتخابات بينما سرور محبوس بسجن طرة، نظرا لتورطه فى ما عرف ب"موقعة الجمل". شغل سرور منصب نائب دائرة السيدة زينب منذ عام 1987، وبعد 3 سنوات أصبح رئيسا لمجلس الشعب حتى تم حل البرلمان فى أعقاب ثورة 25 يناير التى أطاحت بنظام مبارك ورموزه، واستطاع سرور طيلة هذه السنوات أن يقيم العديد من المشروعات بالمنطقة وأحدث بها نهضة كبيرة وملموسة، وعُرف سرور لدى أهالي السيدة زينب بأنه الرجل الصادق فى وعوده والذي يقدم الكثير للفقراء، ولذك كان الأهالى مدينون له بالجميل. وفي دائرة الزيتون ظل مقعد الفئات حكرا على الدكتور زكريا عزمي، الرئيس السابق لديوان رئيس الجمهورية، وذلك طيلة ال 20 عاما الماضية، لدرجة أن المنافسين كانوا يخشون الترشح أمامه لثقتهم فى فوزه باكتساح فى الانتخابات، حيث إنه كان على اتصال دائم بأهالى دائرته وقدم لهم العديد من الخدمات وكان يقيم المؤتمرات الشعبية بشكل مستمر لمعرفة احتياجات أهالى المنطقة، واستطاع أن يطور الكثير فى الخدمات التى تقدم إليهم فأنشأ مراكز طبية ومراكز للشباب فى شتى المجالات. وكان عزمي يلعب دور المعارض للنظام من الداخل في مجلس الشعب، حيث اشتهر بكلمته "الفساد في المحليات أصبح للركب"، لكن الثورة كشفت أن ما كان يفعله عزمي هو جزء من توزيع الأدوار. واعتاد أحمد عز، أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني "المنحل"، والمحبوس فى سجن طرة بعد اتهامه بالتربح وإهدار المال العام، والاستيلاء على أسهم شركة الدخيلة، أن يفوز باكتساح فى دائرة منوف بمحافظة المنوفية، حيث قدم العديد من المشروعات بمدينة السادات والتى تعتبر أكبر المراكز الصناعية بالمحافظة. واستطاع أحمد عز أن يوفر من خلال المشروعات التى أقامها بدائرته فرص عمل كثيرة للشباب من أهالي دائرته، مما كان يساعده على الفوز على أى منافس يترشح أمامه، أو هكذا كان يعلن. آمال عثمان، وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة، كانت عضوا فى الحزب الوطني الديمقراطي، ونائبه فى مجلس الشعب عن دائرة الدقي بمحافظة الجيزة، حيث كانت رئيسة اللجنة التشريعية بالمجلس. وكانت آمال قد نجحت فى دائرة الدقي بعد أن فاز عليها منافسها الإخوانى حازم صلاح أبوإسماعيل وذلك فى عام 2005، وكانت النتائج الرسمية مختلفة عن النتائج التى رصدتها المنظمات الحقوقية، ووقتها اتهمت المعارضة الحزب الوطني بالتزوير. هذه أول انتخابات منذ نهاية السبعينيات لن تشهد منافسة من فايدة كامل التي دخلت موسوعة جينس كأقدم برلمانية فى العالم، حيث كانت نائبة فى مجلس الشعب لمدة 35 سنة عن دائرة المقطم والخليفة، وهى مطربة معروفة وزوجة وزير الداخلية الأسبق اللواء النبوي إسماعيل الذي تم اغتيال السادات فى عهده عام 1981 وقد وافتها المنية قبل شهرين عن عمر يناهز 79 سنة. وهذه الانتخابات لن تشهد غياب سرور وعز وعزمي فقط لكنها ستشهد غياب بطرس غالي الذي كان يمثل دائرة شبرا، وحمدي السيد عن دائرة مصر الجديدة، وحسين مجاور ومحمد المرشدي، عن دائرة المعادي، وشاهيناز النجار التى كانت تمثل دائرة المنيل، وسيد مشعل بحلوان، والراحل مصطفى السلاب بمدينة نصر، وسيد عبد العزيز شعبان الذي كان يمثل دائرة حدائق القبة. جاءت ثورة 25 يناير لتطيح بنظام مبارك ورموزه الذين سيطروا على معظم الدوائر الانتخابية والحياة السياسية لسنوات طويلة، وقد حدث ذلك في ظل الديكتاتورية وتزييف إرادة الناخبين، فهل من الممكن أن يحدث ذلك في برلمانات ما بعد ثورة يناير؟ لا شك أن عددا من رموز عصر مبارك كانت لهم شعبية في دوائرهم، بما قدموه من خدمات فئوية، لكن ما كشف عنه من نهب وإهدار أموال بعد الثورة يوضح أن شعبيتهم كانت زائفة وبسبب عدم معرفة الشعب بحقيقة وخبايا سلوكهم.