"كل واحد يجود باللي يقدر عليه".. هكذا بدأ أحمد عثمان، صاحب محل مفروشات بوسط البلد، كلامه، قائلا " بضاعتي عبارة عن مفروشات من ملاءات وألحفة، وفى الشتاء بأزود بطاطين، والإقبال عليها كبير، خاصة فى تلك الأيام بسبب وجود معتصمين في ميدان التحرير ". عند مدخل محله تتراص بطاطين "خشنة الملمس" وعليها لا فتة بالسعر "28 جنيها"، كباقى بضاعته الذي يحرص على وضع الأسعارعليها بشكل بارز ، وعندما يأتي إليه زبون يطلب كمية من البطاطين ، يسأله عثمان " علشان ميدان التحرير ؟"، وحينما يجيبه الزبون " نعم " ، يقول له " ب 23 بس " ، أوضح عثمان تصرفه بأن تلك الطريقة الوحيدة التى يستطيع المشاركة بها فى الميدان ، قائلا " يوم السبت بالليل حاولت أدخل الميدان اتخنقت من رائحة الغاز ، ورغم إن المحل بعيد شوية عن التحرير إلا إن رائحة الغاز بتوصلني وبتخنقني فعلا ، وأنا أساسا عندي حساسية فى صدري ، فلقيت إن أنسب طريقة أشارك بيها فى الميدان إني أبيع البطاطين بأسعار أقل ، منها الزبون يشيل شوية وأنا كمان أشيل شوية " ، مضيفا " والله بأسأل الأول رايحين التحرير ، وبأبيع البطانية بخسارة ، لإني آخدها من المصنع ب 25 جنيهًا ، وبأبيعها ب 28 جنيهًا ، لكن البطاطين إللى بتروح التحرير بأبيعها ب 23 جنيها وبأخسر فيها 2 جنيه ، لكن والله بأحس إني كسبان " . وأضاف عثمان "بيبقى باين على الزبون إنه هيروح التحرير، لإنه بيشتري كميات كبيرة ، نحو 100 بطانية، أو 200 بطانية أو 300 بطانية، على حسب، وكلها بتبقى حاجات تطوعية، الناس بتنام فى الشارع فى عز البرد ده علشاننا كلنا، ومش كثير عليهم إننا نوفر لهم أي حاجة للإعاشة، سواء بطانية أو أكل أو شرب، إللى ميقدرش ينزل الميدان ممكن يشارك بأي طريقة تانية "، بابتسامة "وأنا لقيت الطريقة إللى أشارك بها .. وربنا ينصرهم " . وفى أحد الشوارع الجانبية المطلة على ميدان التحرير، يقف محمود السيد داخل دكانه الصغير المخصص لبيع أدوات الأمن الصناعي، عارضًا بعض بضاعته فى واجهة المحل، وواضعًا عليها الأسعار الخاصة بها، ففى الجانب الأيمن من الواجهة الزجاجية يضع كمامات مصنوعة من الجلد والبلاستيك يستخدمها ،فى الأساس، العاملون في أعمال تعرضهم لاستنشاق أبخرة ملوثة، ووضعت عليها لافتة بالسعر "15 جنيهًا"، وفى الجانب المقابل من الواجهة مرصوص عدد من النظارات البلاستيكية الكبيرة شبيهة بنظارات "الغوص" وموضوع عليها لافتة بالسعر "7 جنيه". وعندما يأتي الزبون لشراء كمامة أو نظارة ، يسأله السيد "علشان نازل التحرير؟ "، وحين يجيبه الزبون "نعم" ، يخبره "الكمامة ب 13 جنيها، والنظارة ب 5 جنيهات بس"، وفسر السيد ذلك قائلا " أنا مش بآخد مكسب من الناس إللى بتنزل التحرير ، وبأبيع البضاعة بالسعر إللى بأستلمها به "، مضيفا " محلي قريب من الميدان ، والغاز رائحته جامدة جدا ، حتى الكمامات الطبية متقدرش تمنعه تماما، فالحل بيبقى إستخدام هذا النوع من الكمامات لإنها تقريبا بتمنع إستنشاق الغاز تماما، وأنا بأرتدي واحدة وأنا واقف فى المحل لإن الغاز بيدخل فى المحل عندي ". واستكمل " أنا قريب من الميدان وشايف كل إللى بيحصل فيه ، والناس بتموت ومفيش معاها حاجة تدافع بها عن نفسها، فقلت لازم أدعم ثوار التحرير، ودي أقل حاجة إني أبيع البضاعة من غير مكسب، مينفعش ناس تتصاب وتموت علشاننا كلنا وكمان نآخد منهم مكسب زي أي حد تاني " . وفي الميدان يقف أحمد مصطفى ، شاب في بداية العشرينيات، حاملا بيديه كمية من الكمامات الطبية الورقية، ثمن الواحدة كما قال "جنيه واحد"، حكى مصطفى عن قدومه إلى الميدان قائلا " أنا أساسا كنت بأبيع كبايات وكاسات زجاج فى الشارع، ولما حصلت أحداث التحرير ، بقى نزول الناس فى الشارع قليل وكنت بأبيع قليل جدا، فقررت أنزل أبيع فى التحرير ، لكن طبعا مش هأبيع كبايات، فكرت أبيع أعلام بس لقيت ناس كتير بتبيع أعلام، وفيه ناس معارفنا قاللولي نبيع كمامات عشان الغاز المرة دي قوي جدا "، مضيفا "ورحنا السبتية، فيه مصنع كمامات صغير إشترينا كمية منه، الواحدة واقفة علينا ب 75 قرش ، وأنا بأبيعها هنا بجنيه بس، والحمد لله ربنا كارمني لأن القنابل كثيرة جدا".